رصد المحطة الأولى في الانتخابات

نتوقع أن تطور مؤسسات المجتمع المدني عملية رصد الانتخابات النيابية، لتصبح أكثر احترافا ومهنية، والشيء الإيجابي الذي حدث هو البدء ولأول مرة بالرصد من المحطّة الأولى للمسار الانتخابي، أي عملية التسجيل والنقل وتثبيت الدوائر الانتخابية على الهويات. وقد قام تحالف بقيادة إحدى منظمات المجتمع المدني بعملية الرصد هذه، وأصدر تقريره الذي نشرته الصحف أول من أمس.
كانت الصحف هي التي تغطي هذا الجانب، وتنقل ما تلاحظه من خلل أو تجاوزات من خلال جهود مندوبيها، وكان هذا الدور في انتخبات 1997 حاسما في كشف الفوضى والتكرار في عمليات التسجيل، وهو ما اعترفت به الحكومة في حينه وعملت "نسبيا" على تصويبه. وفي انتخابات العام 2007 قاد المركز الوطني لحقوق الإنسان تحالفا لرصد الانتخابات النيابية، لكن نزاعا ضمنيا حصل بسبب رغبة أكثر من جهة في الحصول على تمويل والعمل لحسابها، وقد قيدت الحكومة عملية الرصد من حيث عدد الراصدين وحرية الدخول والمراقبة الفعلية على عملية الاقتراع، لكن التحالف أيضا لم ينجح في تجنيد العدد الضروري وبناء شبكة فاعلة ومدربة من الراصدين، وقد تم الاعتماد على التزام لفظي من المنظمات الشريكة بتقديم أعداد لم تكن متوفرة إطلاقا في الواقع. والآن، فإن الحكومة وعدت بتمكين عملية رصد فعلي ومن دون قيود على العدد، وستكون الكرة في ملعب منظمات المجتمع المدني أولا بالعمل معا تحت مظلة المركز الوطني لحقوق الانسان، وثانيا بالتحضير المهني والكفؤ لرصد عملية التصويت والفرز، وهي ليست سهلة أبدا، إذ يجب تجنيد ألوف الشباب والفتيات لتغطية كل مراكز الاقتراع في المملكة، وضمان وجودهم الفعلي وتدريبهم وتأهيلهم وبناء هرم تنظيمي فعّال منهم. وهو ما يتطلب بدء العمل منذ الآن على هذا المشروع.
لا شك أن تقرير "راصد" الذي صدر عن التحالف الذي أدار عملية رصد التسجيل والنقل، يعكس جهدا جيدا؛ لكن النقص واضح في المهنية والخبرة، بما في ذلك مسؤولية الجهات المنظمة عن إصدار تقرير يتمتع بالمصداقية .
يتحدث التقرير عن هيمنة "الواسطة والمحسوبية" التي "شكلت عبئا ثقيلا على المواطنين وطريقا للراغبين بتجاوز القانون والتعليمات لصالح نواب سابقين ومرشحين". وما رأيته شخصيا هو أن قلّة الكفاءة وعدد الكادر في دوائر الأحوال كانا مصدر المعاناة وليس الواسطة والمحسوبية، وهذا الى جانب التشدد والتزمت في تطبيق التعليمات الذي فاقم المعاناة في بعض المراكز لدرجة لا تحتمل. ولعلّ الكثير من المواطنين في الصف على الدور، يشعرون أن معاملات آخرين كانت تتجاوزهم بالواسطة، فظهر ذلك في تقارير الراصدين؛ لكن كان يتوجب التمييز بين تمرير المعاملات خارج الدور وبين التجاوز على القانون، لأن النتيجة الخطيرة والخاطئة التي خرج بها التقرير هي أن النقل غير الشرعي ساد هذه المرّة أيضا، وهو شيء غير صحيح أبدا بحدود ما رأيت ولمست.
الغد