من عصاب الهوية الى ارهابها!

لو سلمنا بما كتبه ثلاثة على الاقل عن الهوية في هذا العصر وهم ايراني كتب بالفرنسية هو داريوش وفرنسي من اصل لبناني هو امين معلوف واكاديمي عربي في امريكا هو د. نديم البيطار ، لما ترددنا في اطلاق شعار ارهاب الهوية على هذه الحقبة التاريخية ، وهي مجال حيوي بامتياز ايديولوجي لانفجار المكبوت الاثني والطائفي ، خصوصا بعد ان ضعفت الدولة القومية ، وتفككت امبراطورية الايديولوجيا الفولاذية.
كتب معلوف اللبناني الاصل كتابا بعنوان الهويات القاتلة ، وقال انه عربي ولبناني ومسيحي بقدر ما هو فرنسي لأنه يكتب بالفرنسية ، اما داريوش الايراني فقد قرر منذ البداية ان للهويات ارهابها وعصابها ، خصوصا حين تضيق وتنكفىء ، ولا تتورع عن اقصاء الآخر ، حتى لو كان خصما وهميا تبتكره الهوية المصابة بالعصاب كي تبرر أطروحتها ، وكان نديم البيطار سباقا الى الكتابة عن حدود الهوية القومية في كتاب يعد فريدا في رصد ما تعرضت له الأمم من هزائم وانكسارات كلها حولت الهزيمة الى رافعة ، والضارة الى نافعة ، وكان بصدد توصيف المشهد العربي المشبع بالاحباط.
لكن ما لم يكتبه هؤلاء او سواهم هو ما نسميه الهويات الخانقة ، التي تتحول الى شرنقة ويتم من خلال هذه العزلة تجبيس العقل كما كان الصينيون يفعلون بأقدام اطفالهم كي لا تستطيل ، والعوامل التي أدت الى عصاب الهوية واختناق الانسان بها هي صناعة رأسمالية ، وافراز امبريالي ، لكن ليس بالاستنتاج المجرد ، فبعد الحرب الباردة فتحت اكياس الأفاعي كلها ، وانفجرت المكبوتات التاريخية بكل ثقافاتها وفلكلورها وأدبياتها التي كانت باطنية أو حكرا على ثقافة شبه سرية ، وثمة دول كانت الاسوأ حظا في هذا السياق ، اذ سرعان ما تكاثرت فيها الهويات الفرعية وبدأت تقضم جذر الهوية الأم ، ولم يسلم العرب من هذا الطاعون السياسي بحيث وجدوا انفسهم بعد أقل من قرن مضى على معاهدة سايكس - بيكو يفرخون ألف سايكس - بيكو من صلبهم ومن صميم نسيجهم ، لأن سايكس - بيكو لم يقسما اليمن الى عدة يمنات أو السودان الى عدة سودانات ، وكذلك لبنان والعراق وفلسطين الى آخر القائمة وهي قد تطول.
لقد استطاع مثقف من اصل عربي يكتب بالفرنسية ويعيش فرنسا ان يصهر عدة هويات في واحدة ، اما البوتقة فهي ليست سحرية ، انها أولا انسانية ، وذات بعد ثقافي معرفي ، لهذا لم يهرب معلوف من التاريخ ، بل دخله من باب آخر فكتب عن سمرقند والحروب الصليبية برؤياه ، وهي رؤية صاغتها المعرفة لهذا لا تكون الكتابة في هذه الحالة تصفية حسابات صغرى أو مجرد ردود افعال عاطفية واسقاطات نفسية ، والمفارقة هي ان الغرب الليبرالي الذي عانى كما زعم من فائض الليبرالية فسعى الى عولمتها كان سباقا الى العودة نحو الهوية الخانقة والتي تضيق بحيث يعاد النظر في النسيج الاجتماعي برمته ، وتصبح مفردات مثل مهاجرين أو من اصول غير اوروبية ذات نفوذ سحري على من اصابهم فيروس عصاب الهوية ، وللهويات كما هو معروف حروبها ، بدءا من الاهلية حتى الحروب الكلاسيكية في فترات العنفوان القومي.
أخيرا فان الهوية ليست خوذة ، انها ثقافة ذات آفاق تتلاقح مع الهويات الاخرى،،.
الدستور