من عصاب الهوية الى ارهابها!

تم نشره الثلاثاء 31st آب / أغسطس 2010 03:51 صباحاً
من عصاب الهوية الى ارهابها!
خيري منصور

لو سلمنا بما كتبه ثلاثة على الاقل عن الهوية في هذا العصر وهم ايراني كتب بالفرنسية هو داريوش وفرنسي من اصل لبناني هو امين معلوف واكاديمي عربي في امريكا هو د. نديم البيطار ، لما ترددنا في اطلاق شعار ارهاب الهوية على هذه الحقبة التاريخية ، وهي مجال حيوي بامتياز ايديولوجي لانفجار المكبوت الاثني والطائفي ، خصوصا بعد ان ضعفت الدولة القومية ، وتفككت امبراطورية الايديولوجيا الفولاذية.

كتب معلوف اللبناني الاصل كتابا بعنوان الهويات القاتلة ، وقال انه عربي ولبناني ومسيحي بقدر ما هو فرنسي لأنه يكتب بالفرنسية ، اما داريوش الايراني فقد قرر منذ البداية ان للهويات ارهابها وعصابها ، خصوصا حين تضيق وتنكفىء ، ولا تتورع عن اقصاء الآخر ، حتى لو كان خصما وهميا تبتكره الهوية المصابة بالعصاب كي تبرر أطروحتها ، وكان نديم البيطار سباقا الى الكتابة عن حدود الهوية القومية في كتاب يعد فريدا في رصد ما تعرضت له الأمم من هزائم وانكسارات كلها حولت الهزيمة الى رافعة ، والضارة الى نافعة ، وكان بصدد توصيف المشهد العربي المشبع بالاحباط.

لكن ما لم يكتبه هؤلاء او سواهم هو ما نسميه الهويات الخانقة ، التي تتحول الى شرنقة ويتم من خلال هذه العزلة تجبيس العقل كما كان الصينيون يفعلون بأقدام اطفالهم كي لا تستطيل ، والعوامل التي أدت الى عصاب الهوية واختناق الانسان بها هي صناعة رأسمالية ، وافراز امبريالي ، لكن ليس بالاستنتاج المجرد ، فبعد الحرب الباردة فتحت اكياس الأفاعي كلها ، وانفجرت المكبوتات التاريخية بكل ثقافاتها وفلكلورها وأدبياتها التي كانت باطنية أو حكرا على ثقافة شبه سرية ، وثمة دول كانت الاسوأ حظا في هذا السياق ، اذ سرعان ما تكاثرت فيها الهويات الفرعية وبدأت تقضم جذر الهوية الأم ، ولم يسلم العرب من هذا الطاعون السياسي بحيث وجدوا انفسهم بعد أقل من قرن مضى على معاهدة سايكس - بيكو يفرخون ألف سايكس - بيكو من صلبهم ومن صميم نسيجهم ، لأن سايكس - بيكو لم يقسما اليمن الى عدة يمنات أو السودان الى عدة سودانات ، وكذلك لبنان والعراق وفلسطين الى آخر القائمة وهي قد تطول.

لقد استطاع مثقف من اصل عربي يكتب بالفرنسية ويعيش فرنسا ان يصهر عدة هويات في واحدة ، اما البوتقة فهي ليست سحرية ، انها أولا انسانية ، وذات بعد ثقافي معرفي ، لهذا لم يهرب معلوف من التاريخ ، بل دخله من باب آخر فكتب عن سمرقند والحروب الصليبية برؤياه ، وهي رؤية صاغتها المعرفة لهذا لا تكون الكتابة في هذه الحالة تصفية حسابات صغرى أو مجرد ردود افعال عاطفية واسقاطات نفسية ، والمفارقة هي ان الغرب الليبرالي الذي عانى كما زعم من فائض الليبرالية فسعى الى عولمتها كان سباقا الى العودة نحو الهوية الخانقة والتي تضيق بحيث يعاد النظر في النسيج الاجتماعي برمته ، وتصبح مفردات مثل مهاجرين أو من اصول غير اوروبية ذات نفوذ سحري على من اصابهم فيروس عصاب الهوية ، وللهويات كما هو معروف حروبها ، بدءا من الاهلية حتى الحروب الكلاسيكية في فترات العنفوان القومي.

أخيرا فان الهوية ليست خوذة ، انها ثقافة ذات آفاق تتلاقح مع الهويات الاخرى،،.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات