ذات سهرة رمضانية

تم نشره الأربعاء 01st أيلول / سبتمبر 2010 05:34 صباحاً
ذات سهرة رمضانية
بسمة النسور

المدينة نيوز -  قالت الصغيرة لأمها: ماما شغلي رمضان! لم أفهم ما قصدته، وحاولت تحليل العبارة المبهمة التي تفوهت بها الطفلة ذات الأربع سنوات، غير أني لم استغرب كثيرا، لأن الأطفال غالبا ما يشطح خيالهم نحو تصوراتٍ نظل نحن الكبار قاصرين عن بلوغها، وحين تقدمت الأم ضاحكة نحو سور الحديقة، وكبست على زر الإنارة لتتوهج زينة رمضان المنصوبة على سلك كهربائي، تتدلى منه هلالات صغيرة ونجوم وفوانيس متلألئة، تنير فضاء الحديقة والشارع بالألوان المتراقصة، وهي تعتذر لصغيرتها عن سهوها عن تشغيل رمضان مثل كل ليلة! ضحك الحضور مبدين إعجابهم بذكاء وخفة ظل الصغيرة، التي عبرت ببراءة عن تعريفها الخاص لشهر رمضان! ودار حوار طويل إثر ذلك، بهدف المقارنة بين رمضان زمان ورمضان الراهن، وكالعادة انخرط الختيارية في ذكريات وحنين إلى الزمن الجميل، حيث المسحر يشبه شخصيات الحكايا والأساطير، ينبثق من العتمة متدثرا بالسحر والغموض، قارعا طبله موقظا الصغار من نومهم، محرضا خيالاتهم نحو عوالم غامضة.

ومدفع الإفطار يخترق الصمت كل غروب، فيقفز الصغار فرحا بالصخب الجميل، والحارات العتيقة تشهد حركة صحون طائرة تتنقل بين بيوت الجارات، يتبادلن في زهو وتنافس خفي الأطباق التي انهمكن في إعدادها قبيل موعد الإفطار، والعائلة الكبيرة (تلتم) كل مساء مجسدة معنى الهناء والسكينة والتماسك الأسري غير الموسمي، من دون تلفزيون ومسلسلات (وحزازير) وجوائز قيمة ومذيعة مفرطة الحماسة لأسباب غير واضحة، تؤكد على مشاهديها الأعزاء أن رمضان معنا أحلى! لتمضي أيام الشهر الفضيل وادعة لطيفة خالية من أسباب التنازع والخصام، والبال مرتاح وليس ثمة شكاوى من ارتفاع أسعار، أو اكتظاظ مروري وتوتر وعصبية في الشوارع.

بعد ذلك تم في تلك السهرة الرمضانية توجيه نقد حاد لما آل إليه رمضان في زمننا هذا، وكيف جرى تسليعه ليصبح موسما مربحا لقطاع التجار من بائعين وأصحاب مطاعم ومقاهٍ، وليغدو أزمة اقتصادية وضائقة مادية و(خراب ديار) لذوي الدخل المحدود، كما انتقد الحضور كافة المظاهر المستوردة من تعليق الزينة في البيوت، إلى الخيام الرمضانية المنتشرة في العاصمة، ولعب الشدة وطاولة الزهر في المقاهي، والاراجيل والمآدب الرمضانية الفاخرة في فنادق الخمس نجوم، التي تعرض على هامشها عروض مسرحية لا تخلو من تهريج، يحضرها في العادة كبار الشخصيات السياسية، تدعي أنها تقدم نقدا سياسيا هادفا، وهي في الواقع تنافق لهم ليس أكثر، إضافة إلى الهجمة الدرامية المكثفة والبرامج الترفيهية المعدّة خصيصا للشهر الفضيل، علاوة على مظاهر الإسراف والبهورة في إعداد مآدب تنتهي معظمها في الحاويات، في الوقت الذي لا يجد فيه الكثيرون لقمة تسد رمق صغارهم، وغيرها الكثير من مظاهر رمضانية غدت طقوسا مكرسة اعتدنا على ممارستها. ولأن الجلسة اقتصرت على الكبار، فإن أحدا لم يدافع عن حق الجيل الجديد في التطور والاختلاف.

بطبيعة الحال إن ما ذهب إليه الجميع دقيق الى حد بعيد، وصحيح كذلك أن رمضان زمان كان أجمل بكل المقاييس -على الأقل من وجهة نظر جيل معين- غير أن رمضان الراهن لا يخلو من الجماليات، وما يزال يتسم رغم كل شيء بالسحر والحميمة والخصوصية حتى وان اختلفت أدواتها، ورغم شبهة التسليع التي تكتنف تقليد الزينة الرمضانية على وجه التحديد، غير أنه لا مناص من الاعتراف أنها تبعث البهجة في نفوس الصغار وتربط الشهر بصورة احتفالية مشرقة في أذهانهم، وبالتالي هي متعة صغيرة، وحق لهم في الفرح لا يجوز لنا مصادرته، أخيرا ليتذكر أولئك الغارقون في الحنين إلى الماضي البعيد، أن المسحر بكل رومانسية وشفافية وغموض صورته العالقة في أرواحنا، كان في النهاية مجرد رجل يتقاضى راتبا في نهاية الشهر! وكل عام والجميع بألف خير.

( الغد )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات