حكايات ناقصة

اذا صح بأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، فان كثيرا مما تعلمناه في طفولتنا كان ناقصا ومنه ما كان ولا يزال نقشا على شواهد القبور وليس على مهود الاطفال ، فالحكايات التي كانت تروى للاطفال كي يناموا تبدلت ، لهذا أصر صديقي الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر أن يكتب حكايات للاطفال كي لا يناموا ، فهذا زمن ذبح الاطفال ووأدهم أحياء.
ومن الحكايات الناقصة ما تعلمناه عن تعليق الجرس في عنق القط ، فقد أوهمنا الكبار يومئذ بأن هناك قطا واحدا في هذا العالم قررت الفئران ان تعلق الجرس في عنقه كي يتاح لها الفرار اذا سمعت الرنين ، وهكذا بقيت ملايين القطط بلا أجراس ومن حكاياتنا الناقصة جزاء سنمار لأن قتل هذا المهندس البارع كي يذهب معه سر ذلك الصرح ، لم يقتل وعيه وعلمه بالعمران والعدوى الخلاقة التي انتقلت الى تلامذته ومساعديه.
وقد نسي من ألفوا تلك الحكاية أن الانسان يموت احيانا ليصبح موعودا بالقيامات المتعاقبة ، والانبياء والمفكرون والمصلحون والحالمون الذين اصبحوا من الخالدين لم ينج أحد منهم من العذاب والمطاردة والتنكيل ، لهذا فان سنمار العمران والسياسة والثقافة والاصلاح فكرة وليست مجرد كائن من لحم ودم يموت فيدفن معه علمه.
الحكاية الناقصة الثالثة عن الدب الأحمق الذي رمى حجرا ثقيلا على رأس صاحبه كي يطرد ذبابة كانت تحوم على أنفه ، والناقص في تلك الحكاية التي توارثتها أجيال هي ان الذبابة فرت ونجت وذهبت لتحوم وتبيض على أنف سيد نائم يحرسه دب أو كلب أو تابع.
والحكاية الرابعة عن زرقاء اليمامة التي لم يصدق قومها انها رأت جيوشا من الغزاة تتوارى خلف اغصان الاشجار ، واهم ما في الحكاية ان زرقاء اليمامة وازرق الشام وكل من لهم بصر حاد وبصيرة ثاقبة دفعوا الثمن ذاته ، فقد فقئت أعينهم ، وراحوا يبحثون عن مقعدين نجوا بأعينهم كي يجلسوهم على اكتافهم في واحدة من أتعس المقايضات والصفقات التي يضطر اليها العميان والمشلولون في مجتمع يعاقب العين اذا رأت ، ويبتر الساقين اذا رفضتا التقوس والانحناء.
والحكاية الخامسة عن ذلك النذل الذي كان يمشي بصحبة اثنين من الانذال ، وعندما رأوا امرأة عجوزا تتوكأ على عصا ، قال النذل الاول انه سوف يكسر ظهرها ليفوز بلقب أنذل انسان في العالم ، وبالفعل كسر ظهرها ، لكن الثاني الذي نافسه على اللقب قال له انها الآن تسعى كالسلحفاة ولا بد ان تنقلب على ظهرها كالسلاحف كي تتحول الى حجر وتموت. وحسب هذه الحكاية ، فان النذل الثالث سخر من صاحبيه وقال لهما انه اجدر باللقب وهو أنذل انسان في العالم.. لأن تلك العجوز هي أمه،،. القوس الناقص من هذه الحكاية ودائرتها السوداء هو النذل الرابع الذي روى المشهد ولم يتدخل،.
نستطيع احصاء الف حكاية وحكاية رضعناها مع الحليب وصدقناها ، لهذا سخرت ملايين القطط من ذلك الجرس ومن الفأر الذي جازف بحياته ليعلقه في عنق قط واحد ، تماما مثلما سخر الذباب من وفاء الدببة الحمقى لمن يعلفها،،.
( الدستور )