الأرض العربية المحرمة ونقطة مراقبة «تيران»

كُنّا في ميعة الشباب ، وأوّل العمر السياسي ، حين إندفع الإعلام العربي ، المناويء للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، عشية حرب العام 1967 ، في مهاجمة نظام عبد الناصر ، متّهما إيّاه بالإختباء خلف قوات الطوارىء الدولية في مضائق"تيران"، ويطالبه بسحب تلك القوات. وكانت تلك هي المرّة الأولى التي ينتشر فيها إسم المضائق والجزيرة ، في المجتمعات العربية ، على نحو واسع ، وعلى أنّها أراضْ ومياهْ مصرية..،؟ واليوم ، نعرف أنّ جزيرتي"صنافير"و" تيران"هما جزيرتان تابعتان للسعودية ، وتقعان في مدخل مضيق تيران ، الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر. حيث تنازلت السعودية لمصر عن جزيرة"تيران"( تبلغ مساحتها نحو 80 كيلو مترا مربعا ) ، بموجب وثيقة رسمية مودعة بالأمم المتحدة.
ومعروفّ أنّ الجزيرتين وقعتا تحت سيطرة"إسرائيل"في حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 ، التي قامت بها إسرائيل ضد الدول العربية. وبعد خسارة هذه الدول العربية ، تمّ إحتلال الكثير من المناطق ، ومن بينها هاتين الجزيرتين ، اللتين خضع إحتلالهما الى نوعْ من التعتيم الإعلامي الشديد نسبيا.
ولجزيرة"تيران"أهمية استراتيجية في المنطقة ، إذ تشكّل أضيق مقطع في مضايق تيران ، التي يمرّ بها كل ملاحة ميناءيّ العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي. واللافت في وضع الجزيرة اليوم أنّ الدخول إليها محظورّ ومحرّمّ على أيّ كان ، بإستثناء أفراد عسكريين من مصر والولايات المتحدة ، بسبب اللوائح العسكرية الصارمة المطبّقة هناك . يضاف الى ذلك ، أنها تحوي من حقول الألغام أكثر مما قد تحويه قارة بأكملها..،،؟ إذ تقع نقطة المراقبة (بوست 3 - )11 ، التابعة لقوات المراقبة المتعددة الجنسيات (MFO) ، في جزيرة تيران ، على بعد خمسة أميال ، قبالة ساحل شبه جزيرة سيناء في خليج العقبة. و تسيطر على الجزيرة ، بشكل فعلي ، القوات الامريكية المشاركة في تلك القوات ، التي ترصد الأنشطة لبحرية في المجال الحيوي الإستراتيجي الأهم ، حيث يلتقي الخليج والبحر الأحمر.
ويعود وجود هذه القوات في تيران الى وجود القوات الدولية المسؤولة عن حفظ السلام ، بين مصر وإسرائيل ، التي أنشئت عام 1982 نتيجة لإتفاقية"كامب ديفيد ". حيث كان من المفترض أن تكون الجزيرة تحت عهدة مصر ، لتنفيذ بنود إتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية ، والتي تنص على وجوب وضع قوة للمراقبة ، تسيطر عليه قوات المراقبة المتعددة الجنسيات ، للتأكد من إمتثال مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية ، الواردة في إتفاقية السلام بينهما ، والمتعلقة بفتح خليج تيران. وقد تم تشكيل هذه القوات بدعم أميركي نشط ، بعد ما أعلنت الأمم المتحدة أنها لن ترسل قوات حفظ سلام إلى سيناء. وتدير القوة المتعددة الجنسيات ، ومقرها"روما"، مكاتب إتصال في كل من القاهرة بمصر ، وتل أبيب بإسرائيل ، إضافة الى شبكة تضم 35 برج مراقبة ونقطة تفتيش ومركز مراقبة ، على طول الشريط الممتدّ على طول شرقي سيناء ، حيث يبلغ تعدادها نحو 1900 جندي ، ينتمون الى11 دولة ، بالإضافة إلى طاقم المراقبين المدنيين الأميركيين البالغ عددهم 15 مراقبا.
وتتواجد قوات"ذوي القبعات البرتقالية"، تمييزا لها عن قوات الأمم المتحدة ، الذين يرتدون القبعات الزرقاء ، وفق إتفاقية"كامب ديفيد"، التي غيّرت وجه المنطقة منذ ذلك التاريخ. تلك المعاهدة التي فرضت تدابير أمنية أمّنت الحدّ الغربي للمشروع الصهيوني طوال الثلاثين عاما الماضية. وتفرض تلك التدابير ، التي وردت فى الملحق الأول من الإتفاقية ( الملحق الأمني ) ، قيودا على حجم وتوزيع القوات المصرية فى سيناء ، تتمثّل فيما يلي : تمّ ، لأول مرة ، تحديد خطين حدودين دوليين بين مصر وفلسطين المحتلّة ، وليس خطا واحدا. الأول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة ، وهو الخط الواصل بين مدينتى رفح وطابا ، أما خط الحدود الدولى الثانى ، فهو الخط العسكرى أو الأمنى ، وهو الخط الواقع على بعد 58 كم شرق قناة السويس والمسمى بالخط (أ). ولقد قسمت سيناء ، من الناحية الأمنية ، الى ثلاثة شرائح طولية ، سمّيت ، من الشرق الى الغرب ، بالمناطق ( أ) و ( ب ) و (ج).
أما المنطقة (أ) ، فهى المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) المذكور سابقا بعرض 58 كم. وفيها سُمح لمصربحق الإحتفاظ بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة ، تتكون من 22 ألف جندى مشاة مصرى ، مع تسليح يقتصر على 230 دبابة ، 126و مدفعا ميدانيا ، 126و مدفعا مضادًا للطائرات عيار 37مم ، 480و مركبة.
ثم المنطقة (ب) ، وعرضها 109 كم ، الواقعة شرق المنطقة (أ) ، وتقتصر على 4000 جندي ، من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة.
ثم المنطقة (ج) ، وعرضها 33 كم ، وتنحصر بين الحدود الدولية من الغرب والمنطقة (ب) من الشرق. و لا يُسمح فيها بأيّ تواجد للقوات المسلحة المصرية ، حيث يقتصر التواجد المصري على قوات من الشرطة.
ويحظر إنشاء أيّ مطارات أو موانىء عسكرية فى كل سيناء .
في مقابل هذه التدابير في مصر ، قيّدت الإتفاقية إسرائيل فقط فى المنطقة (د) ، التى تقع غرب الحدود الدولية ، وعرضها 4 كم فقط ، وحُدّد فيها عدد القوات بـ 4000 جندي.
ومًن المفاعيل الراهنة لتواجد هذه القوات في سيناء وجزيرة تيران المهّمة التى أُضيفت فى أيلول عام ,2005 وهى مراقبة مدى إلتزام قوات حرس الحدود المصرية بالإتفاق المصرى الإسرائيلى ، الموقّع فى اول أيلول مًن نفس العام ، والمعدّل فى 11 تموز عام 2007 (لم يُعلن عن هذا الإتفاق حتى الآن ، الذي تمّ توقيعه بعد سيطرة حماس على غزة ).. ،، ولعلّ هذا ما يفسّر الحرج السياسي ، الذي وقعت فيه السلطات المصرية ، وما تزال ، منذ ذلك التاريخ والى اليوم ، في إدارة حدودها مع قطاع غزة.
قد لا يكون مهما الآن البحث عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير ، بين مصر والسعودية ، بمقدار أهميةتذكّر أنهما تحوّلتما الى أرض عربية محرّمة على العرب ، ومًن قبلها أرض سيناء العربية كلها ، التي تحوّلت الى حاجز أمني وإستراتيجي للمشروع الصهيوني ، الذي هتك أمن الأمّة وأمانها ومصالحها ، وكرامتها أيضا..،.
الدستور