هل أصبح العراق أكثر أمناً واستقراراً؟

احتفال»بايدن» في بغداد بعد انسحاب آخر وحدة قتالية أمريكية من العراق، هل يُعدّ الخاتمة لسبع سنوات من الحرب الأمريكية التي شُنّت على العراق من أجل الديمقراطية، وايجاد النموذج الأمريكي للحرية والذي يراد تعميمه على المنطقة، ومن أجل أن تكون العراق منطلقاً لتحرير العالم الإسلامي كله من التخلف والظلاميّة، كما صرّحت آنذاك وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزارايس» التي تُعدّ من أشهر منفذي الحرب وأركانها.
هل أصبح العراق الآن بعد هذه الحرب المدمرة، أكثر أمناً واستقراراً، وهل يُعدّ النموذج الذي يحتذى على صعيد الديمقراطية والحكم الرشيد على مستوى العالم العربي والإسلامي.
تكلفة الحرب الأمريكية على العراق باهظة وباهظة جداً من حيث عدد القتلى في صفوف المدنيين والأطفال والنساء، ومن حيث المنازل المدمّرة، ومن حيث عدد اللاجئين العراقيين الهاربين من لظى المحرقة الأمريكية والذين تشردوا في أصقاع العالم، ومن حيث عدد القتلى من العلماء العراقيين الذين تمّ تصفيتهم وفقاً لقوائم معدة، من الموساد الصهيوني. ومن حيث عدد القتلى في صفوف أعضاء هيئات التدريس الجامعي من كل التخصصات، وعدد القتلى من الطيارين وقادة الجيش والشخصيات رفيعة المستوى التي تمّ إعدادها طوال سنوات وسنوات.
وتكلفة الحرب من حيث عدد المؤسسات العراقية المدمّرة، ومن حيث الكميات المسروقة من المتاحف ومن الكنوز الأثرية العراقية، ومن حيث تدمير المختبرات والأجهزة العلميّة، والأدوات المخبرية التي دفع ثمنها من دم العراقيين.
وتكلفة الحرب من حيث تفتيت الوحدة الوطنية العراقية، وإثارة النزاعات العرقية والدينية والمذهبية، وأنهار الدماء التي أهريقت على مذبح التفتيت العرقي الذي أذكت أواره السياسة الأمريكية في العراق والمنطقة.
وتكلفة الحرب من حيث الأذى النفسي الذي لحق بالعراقيين والأجيال الجديدة على أيدي مجرمي الحرب من المرتزقة والرجال والشركات الأمنية المتخصصة بالقتل والاغتيال، وحوادث الاغتصاب على أيدي وحدات الكوماندوز وزبانية قتال المدن والشوارع، ومن حيث تكلفة الأذى النفسي الذي لحق بالمعتقلين على أيدي رجال التعذيب الذين مارسوا أبشع الجرائم الأخلاقية عبر التاريخ البشري في سجون أبو غريب والمطار وسجون سريّة أخرى.
هل النموذج الديمقراطي القائم الآن على المحاصصة، والقوائم المذهبية والتعصب العرقي، هو الحلّ الأمثل لعلاج مشاكل العراق والمنطقة والعالم العربي والإسلامي، وهل حالة الضياع والفرقة المعقدة التي تسود العراق اليوم هي الحالة المثلى التي سوف تنهض بالعراق وشعبه نحو أفق التطور الحضاري المطلوب.
إنّ خلاصة الحرب الأمريكية على العراق، هي نفسها التي يشاهدها العالم في أفغانستان وباكستان. إنّها عملية تدمير ممنهج، يهدف إلى إبادة شعب ومحو دولة عن خريطة التأثير العالمي، وايجاد كيانات ضعيفة ممزقة تأكلها الثارات ومعبأة بالحقد ورائحة الدماء، وتهيئة البيئة المناسبة لاستنبات بذور العنف والتطرف المصحوب بالاقتتال الداخلي على أنقاض وطن ممزق، بلا مؤسسات، ولا بنية تحتية، يسير نحو مستقبل غامض مجهول مدلهم.
إنّ العالم الإسلامي كله اليوم أمام مفترق طرق، إمّا أن يبقى ضعيفاً ممزقاً، ومسرحاً لتجارب المشروع الأمريكي الصهيوني بالتدمير الشامل وضياع أقطاره قطراً قطراً على مقصلة الشرذمة والانقسام الداخلي. وإمّا أن يستيقظ على وقع حوافر خيل الاستعمار الجديد، وأن يهبّ نحو التكامل والوحدة، وأن يبدأ بإعادة بناء مشروعه الحضاري الكبير الذي يتسع لجميع الدول والأنظمة والمنظمات الاجتماعية والقوى السياسية الشعبية والرسمية، من أجل تحقيق مصلحة مشتركة تتمثل في رفض التبعية للمشروع الأمريكي الصهيوني. وبناء قوة جماعية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحقيق الحماية الكافية أمام أبشع أنواع الغزو الهمجي في تاريخ البشرية، والعالم الإسلامي له أصدقاء كثر في أمريكا الجنوبية وفي إفريقيا ودول آسيا يستطيعون بناء تحالفات جديدة تناهض سياسات الاستعمار الظالمة، وتقاوم العدوان وتضع حداً للسطو على مقدرات الشعوب ونهب خيرات الأمم من أجل استئناف المشروع الحضاري الكبير وإرساء قواعد السلم العالمي على أسس عادلة جديدة.
( الراي )