من هم ضيوف «موائد الرحمن»؟

تم نشره الجمعة 03rd أيلول / سبتمبر 2010 03:49 صباحاً
من هم ضيوف «موائد الرحمن»؟
عريب الرنتاوي

أعود إلى منزلي معظم الأيام ، قبل دقائق من موعد الإفطار ، استمتع بقيادة السيارة في شوارع شبه خالية ، وأسعد بعبور "المستديرات" من الرابع إلى الثامن - فضلا عن دوار الداخلية - من دون عناء ولا مشقة ، إلى أن تمسك بي "عجقة السير" ما بين السادس والسابع ، هناك حيث "المقر الدائم" لواحدة من "موائد الرحمن" ، تنتظرني طوابير السيارات المصطفة على يسار الشارع ، وأحيانا يكون هناك على هيئة وقوف مزدوج.

ما الأمر ، ولماذا كل هذه الحشود ومن أين يأتي كل هؤلاء "الزبائن" ، وأي ضيوف على "موائد الرحمن" أولئك الذين يمتلكون سيارات خاصة أو عمومية ، أو يعملون عليها ، هل أعيد تعريف الفقر والفقراء و"المسكنة" والمساكين ، هل يمكن أن يصنف فقيراً من يمتلك سيارة خاصة ، أياً كان نوعها أو موديلها ، طالما أنه قادر على ملء خزانها بالبنزين العادي - وليس السوبر - ألا يستطيع رجل كهذا أن يشتري لنفسه أو لعائلته وجبة إفطار... إن كان هؤلاء هم فقراء الأردن ، فإنني أدعو الله أن يديم علينا نعمة الفقر وأن يوسع من جيوبه ومساحات انتشاره ، أما إن كان هؤلاء من المتكسبين الذين ينافسون الفقراء الحقيقيين على وجبة مجانية ، فإن الأمر مقلق بكل مقاييس الأخلاق ومعايير القيم والمُثُل.

في بلد يكثر فيه الحديث عن "العائلات المستورة" ، وتتطوع فيه "تكية أم علي" لـ"تفطير" العائلات في بيوتها حفاظاً على كراماتها ، في بلد تكثر في "الشعارات" عن عزة النفس والأنفة ، نرى طوابير جديدة تصطف على "موائد الرحمن" تاركين سياراتهم الخاصبة على مبعدة بضعة أمتار من مائدة الإفطار ، ومن دون حرج أو خجل من منافسة الفقراء والمحتاجين.... يبدو أن بعض الناس في مجتمعنا باتوا أقل إحساسا بالحرج وأقل اعتناء بالكبرياء ، المهم توفير "سعر الوجبة" أو الحصول على وجبة أفضل من تلك التي تنتظرنا في منازلنا ، أو ربما هي عقلية "الكسب والتكسب" ونظرية "إللي ببلاش كثّر منه".

على أية حال ، يبدو أن خبراء "عالم الرحمن وموائده والشهر الفضيل" قد تنبهوا قبلي لهذه الظاهرة ، فأخذوا يقلصون من مساحة موائدهم وتعدادها ، بل وآثر بعضهم أن يعيد التفكير في أنماط الإحسان للفقراء والتبرع لهم ، مباشرة ومن دون منافسين فضوليين وشرهين ، وربما هذا ما يفسر جزئيا انكماش ظاهرة موائد الرحمن من سنة لأخرى ، لقد أتى زمن كنا نرى في كل زاوية مائدة ، أما اليوم فالصورة تبدو مختلفة قليلا ، وثمة ما يقال عن تراجع في منسوب "الكرم الخليجي" هذه السنة ، وليس لدينا ما يؤكد أو ينفي أمراً كهذا.

والحقيقة أننا نأمل أن يكون انكماش "موائد الرحمن" عائد فعلاً وحصراً لهذا السبب ، وأن تكون معدلات الانفاق الخيري في رمضان في تزايد أو على حالها في أقل تقدير ، ذلك أن آخر ما نحتاجه في هذه الأيام الصعبة ، هو تراجع نسب وأرقام ومعدلات هذا العمل الخيري ، وتحديداً في هذا الشهر الفضيل ، فالفقراء الحقيقيون في تزايد وجيوبهم في اتساع وأعدادهم بمئات الألوف ، وهم ينتظرون أن تصل إليهم يد العون ، وأن تصل إليهم في أماكن تواجدهم وبما يحفظ لهم آدميتهم وكرامتهم ، ويحول بينهم وبين الفضولين والمتكسبين الذين لولا بقايا ماء وجه وذرة حياء لنافسوا المتسولين على إشارات المرور وعتبات المساجد.

لا نريد مأسسة للعمل الخيري ، ولا مزيد من الضوابط والقيود التي تجعل منه عبئا على صاحبه ، كل ما نريده هو مزيد من الوعي والإبداع في تقديم الغوث لمستحقيه والمساعدة لمحتاجيها ، حتى لا يضيع مال الزكاة والعون والخير في غير مقصده ولا يصل إلى وجهته المقررة.

فالمأسسة التي قد يفكر فيها البعض ، تخضع العمل الخيري والطوعي والإنساني إلى حسابات "البيروقراطية" وأولوياتها ومعاييرها ، ولطالما انتهى العمل الخيري والطوعي إلى طريق مسدود عندما أخضع لقيود المؤسسة البيروقراطية وحساباتها وهواجسها وانحيازاتها ، وعلينا ألا نبالغ ولا ننجرف وراء "شغف" المأسسة وهوسها.

ثم أن العمل الخيري والطوعي ينبغي أن يُبقي حرية القرار والمبادرة لصاحبه ، فهو من يضع عناوين أجندته الإنسانية ، وهو من يقرر بشأن كيفية صرف أمواله ، شريطة أن تكون المسألة برمتها منزهة عن أية أغراض خارجة عن المألوف.

وكل رمضان وأنتم بخير.

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات