الرهان الأصلب والأجدى

انفض مولد إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن بلا أيّ إشارات تشي بوجود أفق حقيقي للقاءات الفلسطينية- الإسرائيلية التي ستبدأ قرابة منتصف الشهر الحالي، طالما أنّ هنالك اختلالاً كبيراً في ميزان القوى بين الطرفين، وطالما أنّ نتنياهو أثبت أنه أكثر صلابة من أيّ ضغوط أميركية أو دولية.
الآن، ومع التسريبات التي تتحدث عن اتفاق إطار خلال عام وتنفيذ قد يمتد إلى عشرة أعوام، فسنكون كمن يحرث الماء، ومن الواضح أن هدف نتنياهو هو "شراء الوقت" والاستمرار بتغيير الوقائع، والقضاء تماماً على أيّ إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية مستقبلاً.
الاختراق الحقيقي الوحيد الذي حدث خلال الأيام القليلة الماضية، بعيداً عن المشهد المكرر في إطلاق المفاوضات، تمثّل بعمليتي كتائب القسام التابعة لحركة حماس، وهما عمليتان تمثّلان "رسالة سياسية" في غاية الأهمية سواء في الدلالة أو التوقيت.
فمن جهة، العمليتان هما في الضفة الغربية، وليس في غزة، بمعنى أنّ حماس تحافظ على "الهدنة" مع إسرائيل في منطقة نفوذها، لكنها تملك التحرك والتأثير على الوضع الأمني في مناطق تحت نفوذ السلطة أو بالشراكة بينها وبين الإسرائيليين، أي أنّها رقم صعب حتى في الضفة الغربية.
الدهشة تتجلّى بأنّ العمليتين تأتيان بعد سنوات من العمل الأمني المحترف الذي يقوم به الجنرال دايتون في تدريب الشرطة الفلسطينية والتنسيق مع الإسرائيليين وتفكيك خلايا حماس والقسّام في الضفة، والعمل على الأرض بصورة منتظمة ودائمة، وبقدرات ودعم إقليمي كبير، ما دفع إلى بروز قناعة خلال السنوات الأخيرة بنهاية كتائب القسّام بالضفة وإضعاف حماس بصورة كبيرة.
ثمّ ومع إطلاق مفاوضات السلام تفاجئ كتائب القسّام المجتمع الدولي والسلطة وإسرائيل بأنّها حافظت على وجودها وقدرتها على العمل بالرغم من كل هذه البيئة المحكمة ضدها، ما يعني أنّ الوضع الأمني في الضفّة الغربية ليس مؤمّناً، بل عليه جملة كبيرة من علامات الاستفهام.
ليس واضحاً بعد فيما إذا كانت حماس قد درست نتائج هذه العمليات وتداعيات الحملة الأمنية الجديدة ضدها، لكن بقاء الكتائب بعد الاستهداف المعقّد هو بحد ذاته مؤشّر أنّ ما يحدث وسيحدث لن يلغي حماس عن خريطة الفعل في الضفة الغربية.
ما يثير القلق حقّاً أنّ المسافة بين فتح وحماس تتسع مع مرور الوقت، وتقلّ فرص الحوار والمصالحة الوطنية، وهي حالة مثالية تسير بخط موازٍ لتخصيب مشروع نتنياهو بإعدام فكرة الدولة الفلسطينية.
الرهان العربي الحقيقي الأصلب من سراب التسوية في مساعدة الفلسطينيين ومواجهة الحكومة الإسرائيلية، ينبغي أن يكون على "ترتيب البيت الفلسطيني" ودعمه وخلق بدائل وخيارات أخرى، واستثمار الدور التركي الجديد الذي أهمله العرب قبل غيرهم، وأهدروا فرصة ذهبية لشريك إقليمي معتبر!