حين يصبح «السلام» توطئة لحروب جديدة ؟!

تم نشره الأحد 05 أيلول / سبتمبر 2010 06:42 صباحاً
حين يصبح «السلام» توطئة لحروب جديدة ؟!
عريب الرنتاوي

في الجدل حول مساري الحرب على إيران والسلام لفلسطين المحتدم منذ سنوات في دوائر صنع القرار الأمريكية - الإسرائيلية ، برزت مدرستان رئيستان في التفكير السياسي السائد هناك ، واحدة - إسرائيلية أساسا ولها مؤيدون كثر في أوساط محافظي واشنطن الجدد - وتنظر إلى إيران كعدو أول يتعين أن تصطف في مواجهته قوى الاعتدال العربي وإسرائيل والغرب عموماً تحت الزعامة الأمريكية ، فيما الثانية وقد "تظهّرت" بشكل خاص في تقرير بيكر - هاميلتون ، وجسدت إدارة أوباما أهم ملامحها ، فهي وإن كانت تشترك مع المدرسة الأولى في استعداء إيران ، إلا أنها ترى أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يسبق أي تدبير عسكري ضد إيران ، وأن مثل هذا الحل كفيل بتذليل أية عقبات تعترض بناء "حلف الاعتدال والديمقراطية" الذي تقترحه المدرسة الأولى.

عندما جاء نتنياهو إلى السلطة ، لم يترك وسيلة إلا وحاول بها ضمان الغلبة لمدرسته في التفكير السياسي ، وتحويل إيران وحلفائها إلى "العدو المُوحد" لكل عناصر التحالف المذكور ، والهدف الذي يتعين التعاطي معه بالشدّة العسكرية ، بيد أن محاولته تلك اصطدمت بتردد أمريكي واضح نابع في الأصل من دروس الفشل المُر في العراق وأفغانستان ، ومستمد من التداعيات الثقيلة للأزمة المالية والاقتصادية العالمية ، فظلت واشنطن على تفضيلها "خيار العقوبات والحصار والدبلوماسية" أولاً ، من دون أن تزيل عن الطاولة خيار القوة العسكرية بالطبع.

تباين المدرستين لم يفض إلى غلبة إحداهما وهزيمة الأخرى ، و"السجال الاستراتيجي بين الحليفتين الاستراتيجيتن" انتهى على ما يتضح إلى "كلمة سواء بينهما" ، تراجع نتنياهو خطوة تكتيكية مؤقتة للوراء ، وقدّم وعوداً "قصيرة الأمد" بعدم توريط واشنطن في حرب ثالثة خلال عقد واحد من الزمان ، وتقدم أوباما خطوة إضافية للأمام على طريق تشديد العقوبات والحصار المضروبين على إيران ، وهذا التوافق التكتيكي يبدو مرشحا للاستمرار أشهراً إضافية قادمة ، ونقول أشهراً وليس سنوات ، ذلك أن وراء الأكمة الإسرائيلية ما وراءها.

في هذا السياق الاستراتيجي العام ، وجد نتنياهو نفسه منساقاً إلى لعبة "التفاوض" ومقتضيات عملية السلام" ، مقتفيا أثر أسلافه من قادة اليمين ورؤساء حكوماته الذين برعوا في الانحناء أمام عاصفة الضغوط "السلمية" الأمريكية ، مؤمنين بقدرتهم على "تفريغ" أي مفاوضات من أي مضمون ، وإدخال العرب والفلسطينيين دوماً في دوامات ودهاليز المطالب والشروط والتحفظات التعجيزية ، ولقد نجحوا في ذلك إيما نجاح ، من شامير في مدريد إلى شارون في "الفصل الأحادي" مرورا بنتنياهو نفسه وحكاية واي ريفر وما أعقبها وتلاها.

ما يجري الآن ، ليس سوى سحابة كثيفة من الخداع ، أقله من الجانب الإسرائيلي المدعوم بمواقف متشددي واشنطن وصقورها ، حتى وإن صاحبها بعض الخطوات التكتكية على الأرض ، من نوع العودة لخطوط 28 أيلول 2000 ، أو الإفراج عن بعض المعتقلين وأموال الضرائب الفلسطينية ، هدف هذه السحابة المزودج يتجلي في: أولاً ، التغطية والتموية على عمليات الاستيطان السرطانية في الضفة والتهويد الزاحف في القدس ، وثانياً ، خلق البيئة الإقليمية والدولية المناسبة لموجة جديدة من الحروب مع أطراف "محور الشر" ، بدءا بالأطراف الأضعف في المعادلة ، حماس في غزة وحزب الله في لبنان ، وانتهاء بإيران وقد يتطلب الأمر مروراً بسوريا.

ما يجري الآن ، ليس سوى قنابل دخانية ، سيتلطّى تحت ظلالها الكثيفة جنرالات إسرائيل وهو يمتطون دباباتهم وطائراتهم في الطريق إلى غزة وجنوب لبنان ، والأرجح بغطاء سياسي ـ دولي طالما أن هدف الحرب هو "إنقاذ السلام" ، وسوف لن تعجز إسرائيل عن استغلال أي حادث أو حديث لتنفيذ أجندتها هذه وحسم الموقف مع "مهددات الأمن القومي الإسرائيلي" المتزايدة وفقا لأحدث التقارير عن الأمن القومي الإسرائيلي ومهدداته.

نحن إذن ، لسنا أمام عملية تفاوضية سلمية ، نابعة من قناعات عميقة بالحاجة لحل هذا الصراع على أسس ترضي الأطراف جميعها كما يُزعم ، حتى وإن كانت بعض أطراف هذه العملية مؤمنة بذلك - خصوصا في الجانب العربي وربما الغربي - نحن أمام "سلام" يُراد له وبه أن يكون توطئة وتمهيداً لحروب جديدة في المنطقة ، لتصفية الحساب مع "معسكر المقاومة والممانعة" ، لتغيير نُظُمًه واستئصال منظماته ، إنفاذا لنبؤة ديك تشيني ورغبته واستراتيجية التي فضح بعض ملامحها شريكه في جريمة الحرب على العراق طوني بلير ، الذي يبدو هذه الأيام ، شديد الحماسة في ترويج الحرب على إيران هذه المرة ، وبحجة سعيها لامتلاك القنبلة النووية ، ولم لا يفعل ذلك طالما أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ، نجح في الإفلات من العقاب على جريمته الأولى ، بل وما زال يحظى بمكافآت وأوسمة وهدايا ، الذين قبلوا ، وعن طيب خاطر للأسف ، مهمته كموفذ للرباعية الدولية ومنظّر لـ"السلام الاقتصادي" ومروّج لـ"نموذج جنين للإنسان الفلسطيني الجديد" ؟،.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات