لطوفان ليس طائفيا!

لم يكن الطوفان الذي شرد ودمر الملايين في باكستان طائفيا ، فلا الاكسجين من مائه سنيّ ، ولا الهيدروجين شيعي ، لهذا فالطبيعة احيانا رغم قسوتها ارحم من التاريخ خصوصا عندما يصاب بالعمى ويصبح اشبه بقطيع فيلة دخلت الى متحف،
ما اخطأه الطوفان يحاول التاريخ الاعمى ان يستدركه كي يذهب بما تبقى وبدلا من ان تكون الكوارث سببا في تآلف البشر وتخطيهم الخلافات بكل انماطها ومستوياتها يحدث العكس وتصبح بلاد بل قارات برمتها في مهب اعصار مجنون.
لم يكن الباكستانيون قد فرغوا من دفن موتاهم ولم يكن المشردون قد حصلوا على خيمة حتى جاء ذلك الانفجار بكل جبروته وطغيانه الطائفي ، وحين تصبح الحروب الاهلية طائفية لا يبقى هناك اي مجال للتبرئة ، فالقاتل مشروع قتيل والبادئ كمن يعقبه كلاهما اظلم من اخيه..
لم تكن باكستان الامثولة في هذا السياق الدموي فالحقبة التي نعيشها لا يشبهها الا تلك اللحظات التي توحش فيها التاريخ ومات الناس فيها او قتلوا وشردوا لاسباب لا تخصهم لانهم يفقدون اسماءهم وملامحهم الشخصية ويصبحون مجرد هوية او تصنيف طائفي،
ان اعصار كاترينا لم يكن ايضا طرفا متحالفا مع الارهاب ولم تعلن القاعدة او اية منظمة مصنفة في مدار الارهاب مسؤولياتها عنه وكذلك الزلازل في الصين واليابان واخيرا طوفان باكستان ويبدو ان ما يلحقه الانسان بنفسه وبني جلدته اخطر باضعاف مما تلحقه به الطبيعة لانها على الاقل لا تفعل ما تفعله على سبيل الكراهية والانتقام فالارض احيانا تختنق وتضيق بما في باطنها واحيانا تتثاءب فتدمر مدنا بكل ما فيها.
ان الشرور التي ابتكرها البشر اسوأ من تلك التي تأتي من الكون لان زلازلهم السياسية واعاصيرهم الفكرية قابلة للتكرار والاستخدام في اي وقت وما سوف يفعله السلاح النووي في حالة استخدامه تعجز الزلازل والاعاصير لو تحالفت على تحقيق شر يعادل شروره،
وعندما سمي احد الباكستانيين مولوده فيضان او الطوفان قال بانه يؤرخ لهذه الكارثة كي لا ينسى وكي يتذكر احفاد احفاده المأساة... لكن ماذا سيسمي الباكستانيون الاخرون ضحايا العنف الطائفي ابناءهم؟
هذا سؤال يحرج المشتبكين الذين يلوحون لبعضهم بعظام موتاهم.
ومن يدري؟ لعل فائض العنف والحروب الطائفية يبلغ التاريخ هذه المرة ، فيعاد تحليل الماء الى عنصرية وتصنف الاشجار مذهبيا وطائفيا ويظهر متطرفون يطالبون باقتلاع منجزات انسانية من جذورها لان بناتها كانوا من هذه الطائفة او تلك مثلما فعل بعض الروس عندما طالبوا بخلع السكك الحديدية لان ستالين هو الذي انشأها،
الا يكفي باكستان وكل ستانات اسيا توأم الاسى ما حلّ بها؟
ام ان التاريخ يتحالف مع الطبيعة لتدمير ما تبقى.؟؟
( الدستور )