تحت الضوء وخلف الزجاج

تم نشره الإثنين 06 أيلول / سبتمبر 2010 07:34 صباحاً
تحت الضوء وخلف الزجاج
عريب الرنتاوي

كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة والنصف مساءً عندما بَلغتُ إشارة المحطة هابطاً من نزلة نادي السباق ، الازدحام المروري شديد وغير مألوف في هذا الوقت لولا "زحمة رمضان" و"عجقة العيد" ، تطلب الأمر انتظار الضوء الأخضر ثلاث مرات ، قبل أن أتمكن من اجتياز هذا المفترق الصعب (؟،). لم أشعر بالانزعاج والملل لأنني كنت أتابع "طوشة" على مقربة من إشارة المرور ، لم أعرف أسبابها ولا هوية الأطراف المنخرطة فيها ، كما أنني لم أعرف متى بدأت ولا كيف انتهت.

شدّ انتباهي مشهد شرطي يقتاد شاباً في العشرينيات من عمره ، بدأ الشاب ممتلئاً وقوي البنية بخلاف الشرطي ، لكنه كان مسالماً ومطواعاً حتى أنني اعتقدت أنهما ذاهبان إلى "الكشك الأمني الزجاجي" لإتمام بعض الأعمال المكتبية من نوع تسجيل شكوى أو كتابة محضر ، فالشرطي لم يحتج لأي جهد لدفع الرجل إلى داخل "الكشك" المذكور.

فجأة تغير المشهد برمته ، فما أن دلف الرجلان إلى داخل "الفاترينا الزجاجية" ، حتى دفع الشرطي الرجل بقوة فأوقعه على أحد المقاعد ، لينهال عليه ضرباً بـ"الشلاليت" ، يقف الشاب فيدفعه الشرطي مجدداً ، ويواصل ضربه بـ"الكفوف والشلاليت" ، يرتد الشاب على المقعد ثم يقف ، فيما عملية "التلطيش" ما تزال مستمرة.

والحقيقة أن المشهد ما كان ليبدو مضخماً ودرامياً على هذا النحو لولا أنه جرى في "الكشك ـ الفاترينا" ، خلف الزجاج وتحت الضوء الساطع ، لكأننا كنّا نشاهد مسرحية كريهة من النوع المؤذي الذي يحظر على من هم دون الثامنة عشرة مشاهدتها.

لم أكن لوحدي في السيارة ، فقد كانت زوجتي إلى جانبي وفي المقعد الخلفي جلست ابنتي - دون الثامنة عشرة - ولم أستطع أن أغلق التلفزيون أو أن أسدل الستارة عن المسرحية البشعة التي تجري أمامنا ، لا شك أن دائرة العلاقات العامة والإعلام في الأمن العام ، تضررت كثيرا بحادث الأمس ، وهي ستكون بحاجة لبذل جهود مضاعفة لتحسين صورة الجهاز ، أقله لمن قادتهم حظوظهم وأقدامهم إلى تلك المنطقة في ذلك الوقت.

وكما قلت ، فأنا لا أعرف "الشاب المضروب" ، ولست على يقين مما إذا كان "سوابق" أو "آدمي وابن أوادم" ، لكن ما أنا متأكد منه تماماً أنه لن ينسى ليلة البارحة حيث ضُرب بالأقدام والأيدي على مرأى من عشرات المواطنين ، والأرجح أن منسوب الكراهية والحقد على المؤسسة والجهاز والشرطي المذكور ، قد ارتفع عنده ليبلغ معدلات غير مسبوقة ، خصوصا إن كان "آدمي وابن أوادم" أوقعته الظروف في "خناقة" مروية أو في شجار طارئ من النوع الذي يمكن أن يحصل لأي مواطن.

فكرة "الضرب" فكرة مقيتة ومُدانة ، فيها امتهان لإنسانية الإنسان وكرامته ، وهي سبب رئيس في تفجير طاقة الغضب والكراهية لديه ، لا يمكن تبريرها إلا في حالات الضرورة القصوى ، أي عندما يكون "المستهدف" عنيفاً ومقاوماً لأوامر الاعتقال والتوقيف ، ومهما بلغ الشطط بالخارجين عن القانون فإن لهم حقوقاً لا يجب الافتئات عليها ، خصوصا حين يقعون في قبضة الشرطة من دون مقاومة تذكر كما بدأ واضحاً للعيان لنا بالأمس ، ويجب العمل بكل السبل المتاحة لتعميم ثقافة حقوق الانسان في أوساط الأجهزة الشُرطية ، فلا يعني وقوع مواطن في "ورطة" أو "طوشة" أو "حادث مروري" أنه بات "كيس ملاكمة" تتقاذفه القبضات والأقدام ، والأمر ينبغي أن يصبح سلوكاً عاماً يطال جميع المواطنين من دون استثناء .

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات