أنا مسلم أنا ضده ..ضد ماذا بالضبط ؟

" أنا مسلم أنا ضده" إعلان مصنوع بذكاء ويبث مكررا على أكثر من فضائية عربية في حملة ضد "الإرهاب". و لست هنا بصدد البحث لمعرفة المصدر الذي يمول حملة ضخمة و مكلفة كهذه, يجري بثها في أوقات الذروة من حيث زمن المشاهدة , وعلى فضائيات يشاهدها الملايين..كما أنني بالطبع لست في معرض الدفاع عن الإرهاب من خلال موقفي المتحفظ على هذا الإعلان, لكنني اتساءل عن الحد الفاصل بين المصطلحات, وعن تضاؤل هذا الحد إلى درجة أصبح لا يرى بين تعريف المقاومة كفكرة سامية و حق يجب الإعلاء من شأنه و بين الإرهاب كقتل لا حق فيه للنفس التي حرم الله قتلها .
من المؤكد أننا نتحمل جميعا وزر ما آلت اليه الأمور من نزع ممنهج لقداسة المقاومة و مساواتها بالإرهاب في تواطؤ قل نظيره ,و في استقطابات لا حصر لها, وهي استقطابات من نوع "المتحضر" الذي يقف مقابل "الهمجي" , و الهمجي هنا هو المسلم الذي يختار أن يسلك طريق المقاومة "العنف ضمن التعريف الأكثر حداثة" , و مما لا شك فيها أن وضع "المتحضر" في مواجهة "الهمجي"سترجح كفة "المسالم" وتجعله متفوقا على "العنيف" الذي بات يوصم بالهمجية بصورة دائمة.
انساق العرب و المسلمون سريعا وراء لعبة "الوصم" هذه, وباتوا مبادرين بشكل لافت للتخلص من "وصمتهم المخجلة", و جعلهم اندفاعهم عاجزين عن الإدراك, فأصبحوا مباركين للجهود التي تعمل على إزالة المسافة بين التعريفين, وأصبحت المقاومة "وصمة " لا يحبونها ,لإنها عامل يتدحل بصورة أساسية في شكل تسميتهم و تصنيفهم من قبل الآخر الممعن في قتلهم و تشريدهم ,بل و يبررون له إجرامه لأن ممارساته هي ضمن إدراكهم الجديد فعل "تأديبي" حميد للهمجي العنيف.
و في سعيهم المحموم لنفي صفة "الهمجية" يتنامى نوع من العجز عن محاكمة "همجية الآخر" أو ما بات يطلق عليه مصطلح "الهمجية المضادّة" و هذه "الهمجية المضادّة" هي التي جاءت في "الحرب على الإرهاب" و هي حرب شرسة لمحاصرة وقتل و ترويع "المتعصب" و"المتطرف" و"الإرهابي" و"الجهادي" و ...في قائمة لا تنتهي من التصنيفات التي يكون صاحبها مواطنا في فلسطين و لبنان والعراق و افغانستان .
وفعل" التأديب" الذي بات العرب يقبلون به من دون جدال, هو ما يجعل من جرائم و مذابح كالتي حدثت في العراق و افغانستان و قبل ذلك في فلسطين و لبنان فعلا مبررا, يمكن غض الطرف عنه , بل و منحه غطاء قانونيا و سياسيا, يجيزالسجون السرية و مصادرة الحريات وممارسة التعذيب ..ففعل القتل المتكرر للأطفال الأفغان بغارات جوية من قبل القوات الغازية مثلا بات فعلا مقبولا, لأنه يأتي ضمن سياق "الفعل التأديبي" الذي يقوم به الغربي "المتحضر" لحركة طالبان "الهمجية العنيفة" , و حصار الفلسطينيين هو "فعل تأديبي" للشعب الفلسطيني الذي إختار عندما مارس خياره الديمقراطي أن ينتخب حماس "الإرهابية".
و يبدو دور الإعلام في هذا السياق خطيرا و مؤثرا فالتوظيف الرمزي والسياسي ل¯ "الحرب على الإرهاب" يقدم صور العنف و الإرهاب بشكل منتقى بعناية و لغاية مقصودة و مؤدلجة,و المضحك أن فضائيات عربية تقدم مسلسلات و برامج تصور "تضحيات" الجنود الإمريكيين و معاناة زوجاتهم و عائلاتهم من أجل نشر "الحرية و المدنية" في مناطق خطرة و"همجية" مثل أفغانستان و العراق. الحقيقة أن كثيرا من السياسيين العرب و المؤسسات الإعلامية العربية باتوا مساهمين فاعلين في تأييد أفعال تحط من قدر القيم و الأخلاق.
( العرب اليوم )