أبواب رمضان الخمسة

كان لرمضان في الماضي أبواب أخرى اكثر اتساعا ونوافذ اكثر اضاءة ، ولم يكن الفولكلور قد تغلب فيه الى الحد الذي أنسى الناس مبرراته ودروسه ، والابواب الخمسة لرمضان الآن هي على التوالي.. باب التلفزيون المفتوح على مصراعيه ليلا نهارا ، وباب المايكرويف وهو شبيه الى حد كبير بالتلفزيون ، لأنه مثله يعيد تسخين البارد والمجمد ، وباب المول الذي يصح عليه ما يقال عن باب الحمام وهو الدخول اليه ليس كالخروج منه ، ما دامت هناك عربات تنتظر وعيون تتلصص على بعضها ، وهناك دراسة اجتماعية ونفسية للدكتور جلال أمين استاذ الاقتصاد في الجامعة الامريكية بالقاهرة عن عربة المول وسعتها ، واستخدامها احيانا للاستعراض ، فهي تتسع لما يكفي دكانا من دكاكين القرى أو الاحياء الشعبية ، ولا يعقل ان يجرها رجل أو امرأة كي يضع فيها صابونة وخبزا ودجاجة مثلجة ، لأن هذه الاشياء لا تكفي لسد زاوية في اسفلها ، ويقول د. أمين ان الناس يضطرون احيانا الى شراء ما لا يحتاجونه كي تبدو العربة ذات حمولة معقولة ، ومن يشاهد الناس وهم يرتطمون ببعضهم اثناء جر العربات يظن ان الحرب على الأبواب أو ان هناك اعلانا عن منع التجول لأسابيع..

أما الباب الرابع من ابواب رمضان في الصورة التي انتهى اليها بهو باب الكسل والتثاؤب والبطالة ونفاد الصبر ، وكأن الصائم يحمل الآخرين الذين لا ذنب لهم مسؤولية عطشه أو جوعه أو حاجته الى التدخين ، لقد كان رمضان منذ مطالع تاريخنا حتى حرب رمضان 1973 هو شهر المعارك الكبرى والحاسمة ، ولم يكن شهر البطالة والتثاؤب والضجر ، وقد يطول نهاره أو يقصر تبعا للتقاويم ، فهو في النرويج يزيد عن واحد وعشرين ساعة ، لكن المسألة ليست في ربط الارادة أو الرغبة بعقارب الساعة ، وهناك ظاهرة بدأت تتكرر في الأعوام الاخيرة ، هي عدد السيارات التي تقف بجوار المساجد في صلاة العشاء بحيث يبدو المشهد استثنائيا ومن حقنا ان نتساءل أين تذهب هذه السيارات في الوقت ذاته بعد انقضاء رمضان؟ وكيف يمكن للعبادة أن تكون موسمية؟

لقد تحول شهر العفة الى شهر تُخمة وبدلا من أن يشعر الموسرون بمعاناة المعسرين ، أخذوا يستعرضون أمامهم طيلة النهار ما تشتهي أنفسهم وما لا تشتهي ، هكذا أصبحت قراءة هذا الشهر مضادة لما انطوى عليه من دروس ومواعظ واعتبارات ، وانقطعت النتائج عن المقدمات ، كما حدث في معظم مجالات حياتنا..

ان الباب الخامس لرمضان هو باب البنك الذي تقل فيه ساعات العمل فيتضاعف عدد الزبائن ، خصوصا في ذلك اليوم الذهبي الذي لا تنافسه أيام العرب كلها وهو يوم الرواتب قبيل العيد،

لقد اسأنا فهم اشياء كثيرة من تاريخنا وعقيدتنا فحولنا الجوهر الى طقوس وعزلنا الصيام عن حكمته وأسبابه ، ولو عدنا قليلا عند الباب الأكثر اضاءة ، وهو باب التلفزيون لوجدنا ان نصف الليل الأول للمسلسلات التي تكفي عشرة رمضانات من حيث الوقت ، أما النصف الثاني فهو لاستضافة نجوم المسلسلات التي تحجبها غيوم حياتنا الداكنة،

الدستور