القمح عالمياً وأردنياً

وفقاً للإحصاءات الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية، فإن انتاج القمح العالمي المتوقع لموسم 2011/2010 سيبلغ (646) مليون طن، تنتج روسيا منها (45) مليون طن، في حين يقدر الاستهلاك من هذه المادة عالمياً بحوالي (665) مليون طن.
وعليه، فإن الفرق بين الإنتاج والاستهلاك على مستوى الكرة الأرضية سيكون في حدود 19 مليون طن. وهو عجز يمكن تغطيته بسهولة من المخزون، والذي يقدر بحوالي 175 مليون طن.
فلماذا إذن كل هذه المخاوف حول إمكانية نقص المادة.. ولماذا يرتفع السعر المستقبلي لهذه السلعة بحوالي 50 % منذ شهر حزيران (يونيو) الماضي ؟
وإذا سألت عن السبب، فالجواب يكمن في المضاربة داخل بورصات السلع في شيكاغو ونيويورك ومدينة كانزاس بالولايات المتحدة. ويعتمد هؤلاء على مخاوف الدول المستوردة للقمح مما يدفعها الى استيراد الاحتياطي بكميات أكبر مما تشتريه في الظروف العادية. وهنالك دول أخرى تشتريه لبناء مخزون أكبر خشية من ارتفاع أكبر في الأسعار، أو تحوطاً لإمكانية النقص في المتوفر من هذه المادة داخل الأسواق العالمية.
وقد رأينا مصر مؤخراً تخصص أكثر من 450 مليون دولار إضافية لزيادة مستورداتها من القمح. وكذلك الحال مع الدول العربية التي يقدر عجزها في هذه المادة بحوالي 60 % من كامل استهلاكها.
وحتى الدول التي حققت نجاحاً في هذا الأمر في السنوات الأخيرة مثل المملكة العربية السعودية، فإنها ما تزال تستورد حوالي 2 مليون طن، أو ضِعف إنتاجها المحلي. وهنالك معضلة تواجه السعودية إن استمرت في إنتاج القمح بالري وهي نقص المياه الجوفية الثمينة.
أما في الأردن، فقد تبين أننا ننتج ما يكفي لاستهلاكنا لمدة 8 أيام ونصف، أو ما نسبته 1 % فقط من استهلاكنا، بينما نستورد الباقي من الخارج. ولا حاجة هنالك للبكاء على أيام كان القمح يشكل عماد الاقتصاد، ومحوره الأساسي والسلعة التصديرية الرئيسية. فهل هنالك حلول عملية لهذه المعضلة.
وبالطبع لقد خسرنا معظم الأراضي الخصبة التي كانت تنتج قمحاً وحبوباً. ولا فائدة من التفكير بهذا الاتجاه. إذا كنا نريد انتاج مزيد من القمح فلا بد من الانتقال الى الأراضي الهامشية جنوب المملكة وشرقها، حيث تتوفر مساحات واسعة في أراض شبه صحراوية. ولكن الانتاج فيها يتطلب ماءً.
ولذا، فإن هذا الحل سوف يوقعنا في معضلة الاختيار بين الماء والقمح .. فهل نسقي الناس مياه الديسي أم نستخدمها لإنتاج القمح ؟.
وأما الحل الممكن، فهو أخذ مبدأ إنتاج القمح الأردني في أراض عربية خارج الأردن بكل جدية واهتمام. وهكذا يكون مشروع زراعة القمح في بلد كالسودان مثيراً للاهتمام، ونحن لسنا أول دولة تزرع حاجاتها في أراضي الآخرين.. بل هذا التفاوت في الموارد والإمكانات الطبيعية هو السبب الرئيسي للتجارة بين الدول.
إن أزمة القمح الحالية مبالغ فيها بقصد رفع الأسعار. وشركات الحبوب العالمية تشكل لوبي سعريا أقوى من الأوبك التي تتعرض باستمرار للهجوم. وتقوم هذه الشركات باستثمار مخاوف الحكومات من نقص \"رغيف العيش\" وتأثير ذلك على مكانة هذه الحكومات، فتدفعها الى الشراء بكميات كبيرة تحوطاً لأي نقص طارئ.
لقد حقق الأردن إنجازات زراعية تستحق الذكر، ووصل الى الاكتفاء الذاتي وأكثر في بعض السلع مثل الحليب والألبان، والدجاج والبيض، والخضراوات. ولكن النقص في المحاصيل الزراعية يعود أساسه الى نقص المياه.
( الغد )