هدية العيد

قرار الحكومة بإعادة المعلمين المحالين إلى الاستيداع هو هديّة عيد لانتصار التعقل والحكمة والانفتاح، نأمل ان يكون دفعة على الحساب في انعطافة تخلق مناخات إيجابية على أبواب الانتخابات النيابية.
لا تكف بعض الأوساط السياسية والإعلامية عن التشكيك في إجراء الانتخابات في موعدها، ويقدمون مشهدا سوداويا يزكي قرارا من صاحب القرار بتأجيل الانتخابات، فالحكومة لم تعد تحظى بتقييم جيد والأوضاع الداخلية محتقنة والظروف المعيشية لم تعد تطاق والناس غير معنية بالانتخابات والثقة في أدنى مستوياتها وثمّة طبخات اقليمية على الطريق.
ويستمر التداول بهذا الاحتمال رغم التأكيدات الرسمية على اجراء الانتخابات في موعدها. وفي تقديري أن التبشير بالتأجيل مع هذا الحشد غير المترابط من الأسباب يعكس إسقاطات ذاتية على المشهد، أكثر مما يعكس الواقع. وهو يريد أن يدعم جبهة المقاطعة وتأثيرها لدرجة اضطرار الحكومة لتأجيل الانتخابات.
ما نقوله لا يعني أن الناس لا يعانون من أوضاعهم المعيشية لكن متى كان هذا سببا لتأجيل الانتخابات؟! بالعكس فإن الاحتقانات الاجتماعية غالبا ما تكون في أي ديمقراطية سببا للتبكير في انتخابات نيابية؛ تمتص التوترات وتعيد تشكيل المشهد وتعطي الناس فرصة جديدة للمشاركة، أمّا الطبخة الاقليمية فهي دائما على الباب ولا تأتي، ثم إنني لم اقرأ تحليلا واحدا يتفاءل بنجاح مفاوضات السلام.
يبقى أن نتحدث عن الأداء الحكومي وهو في كل الأحوال لا يبرر تغييرا على ابواب الانتخابات، فالمنطق يقول إنه يتوجب انتظار تركيبة مجلس النواب الجديدة لكي تتقرر في ضوئها الخطوات المقبلة. وأخيرا فمن المبكر الحكم على الاهتمام بالانتخابات النيابية، فقد مررنا بشهر رمضان وبعد العيد سيبدأ التسخين الفعلي للانتخابات، ونحن لا نتوقع ان يكون الاهتمام أقلّ من الدورات الماضية، بل على العكس فان إعادة تشكيل الدوائر سيخلق أجواء جديدة من التحفز. إنما الأكيد ان على الحكومة ان تعمل بسياسة ذكية وحكيمة وبسعة صدر استثنائية، أكان في التعامل مع المطالب الاجتماعية والاحتجاجات أو في قضية مقاطعة الاسلاميين.
كنّا سمعنا منذ أيام عن توجه انفتاحي يتبلور، وقد تكون خطوة إعادة المعلمين المحالين إلى الاستيداع هي علامة بهذا الاتجاه، نأمل ان تتبعها خطوات أخرى. يجب ان تتحرك الحكومة بديناميكية وتتلاقى مع مختلف الفئات وتبحث عن الحوار والتفاهم. وهذا ينطبق أيضا على العلاقة مع جبهة العمل الإسلامي. صحيح أن ثمّة تحليلا يقول إن قرار المقاطعة هو نتاج أزمة داخلية، وإن الحزب لا يستطيع التراجع عن القرار لكن على الحكومة أن تقدم سلما للجماعة تنزل به عن الشجرة، ثم إن الجماعة سوف تتحمل مسؤولية المعاندة والسلبية التي لن تجد اتباعا، والسلّم ليس إلا الإعلان الواضح والمتكرر عن الاستعداد للقاء والحوار من أجل توفير الاطمئنان والضمانات لانتخابات نزيهة.
الغد