التنافس في خدمة الوطن

من أهم مؤشرات القوة والنهوض، وعلامات التقدم والتحضر، والتأكد من صحة المسير، أن تصبح سمة التنافس بين القوى والأحزاب والشخصيات والفئات حول خدمة الوطن والاجتهاد في البذل والتضحية من أجل حماية الوطن ورفعة الأمّة، وتصديق ذلك بالأقوال والأفعال والبرامج والخطوات والإجراءات.
وفي مقابل ذلك فإنّ إذكاء التنافس بين الفئات الاجتماعية والقوى السياسية والشلل والجماعات، حول المكاسب، وتحصيل المنافع، والوصول إلى بعض مواقع واستغلال الفرص واستثمار التغيرات من أجل تحقيق أمجاد شخصية ومنافع ، وتعزيز الأرصدة، فإنّ ذلك يُعد من أهم مؤكدات اعوجاج المسير.
عندما يصبح الوطن مجرد مرفق لقضاء الحاجات، فإنّ ذلك امتهان للوطن، وامتهان للمواطن، وامتهان للإنسان، ويتضح ذلك من خلال الصيحات التي لا تكف عن المطالبة بالمكتسبات، والحفاظ على المصالح، وتعد ذلك نضالاً وطنياً، أو عملاً سياسياً .
إنّ الجرأة الحقيقية تنبع من الوطنية الحقيقية، والفهم الحقيقي لمفهوم المواطنة الذي يقوم على معاني التضحية والفداء، وبذل الغالي والرخيص من أجل إنقاذ الوطن من براثن الأعداء المتربصين ودرء أخطار الغزاة، والوقوف سداً منيعاً أمام أطماع الطامعين والقوى التي تنتظر سقوط الأمم، وضعف الشعوب في حماية أوطانها، من أجل الانقضاض عليها والاستيلاء على أرضها ونهب خيراتها.
من هنا فإنّ الشعار القائل:«كلنا للوطن» أفضل وأكثر دقة من الشعار القائل :«الوطن لنا جميعاً».
القيمة السامية والعليا التي يجب أن تسري في دماء الأجيال القادمة، وأن تعيها أفواج الشباب الممتدة، كيف نحمي أوطاننا وكيف نرفع من قدراتنا وكيف نوجه اهتمامنا نحو امتلاك القدرة على الإسهام في حماية الوطن وصناعة مجده وعزّته وقوته، وكيف نغرس الانتماء العميق في سويداء القلوب، وكيف نقف على حقيقة مرتبة (الشهادة) في الدنيا والآخرة التي تقوم على مفهوم التضحية بأنفس ما يملك الإنسان على الإطلاق وهو (الروح والنفس) من أجل خدمة الأمّة والدفاع عن الأرض والعرض والعقيدة.
ينبغي أن يكون مناط المدح والذمّ السائد بين الشباب وفي أحاديث الأقران حول الدور الأساسي للفرد الذي يقوم به والذي أعدّ نفسه له، وما هي طبيعة الإسهام في المشروع الوطني المشترك، وليس التفاخر في تحصيل الراتب الأعلى، والدخل الفردي الأكبر، وليس الوصول إلى الموقع الذي يسهل عليه استغلال حاجات الناس وإلى المكان الذي يسهل عليه عملية الاستغلال ، والتفوق في مظاهر السرف والاستهلاك.
إنّ (المجد) الذي ينبغي أن يتغنّى به كل شاب مفعم بالحيوية والانتماء، ومفعم بالطموح والأمل، هو التنافس في تقديم الخدمة للوطن والأمّة والبحث عن الإسهام في المشروع الحضاري الكبير الذي يستوعب الأمّة كلها بعقولها ومؤسساتها واجتهاداتها وشعوبها وزعاماتها ودولها.
ومن هنا فإنّ أهجى بيت من الشعر قالته العرب، ما قاله الحطيئة بحق الزبرقان بن بدر: (دع المكارم لا ترحل لبغيتها.. واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي). فالمكارم ليست بالراحة والقعود والأكل والشرب، إنّ المكارم في الجهاد والبذل والتضحية والتلذذ بالفداء، والاستمتاع بركوب الصعوبات والتغلب على المعيقات، وتحقيق الانتصارات.
( الراي )