عندما تتحول الانتصارات إلى هزائم

تستطيع القوة المجردة أن تحسـم المعركة، ولكنها قـد لا تستطيع أن تحسم الحرب، والأمثلة على ذلك من الكثرة بحيث لا يسـهل حصرها، وهناك انتصارات عسكرية تحولت إلى هزائـم سياسية. الانتصار الكاسح لإسرائيل في حرب 1967 تحول إلى هزيمة سياسية وأمنية منكـرة، فقد تحولت إسرائيل من دولة حديثـة تتمتع بتعاطف عالمي إلى دولة احتلال مارقة، وفقدت الأمن الداخلي الذي كانت تنعم به، وبالنتيجة ستضطر للانسحاب دون تحقيق المكاسب المنتظرة بل مراكمة الخسائر المادية والمعنويـة.
انتصار أميركا على العراق واحتلاله خلال ثلاثة أسابيع تحول إلى أسوأ كارثة في تاريخ أميركا منذ حرب فيتنام، وقد تجاوز عدد قتلاها من العسكريين أربعة آلاف، وتجاوزت خسائرها المالية ترليون دولار، وحققت نتائج عكسـية أهمها ازدهار الإرهاب وتوفير قاعـدة انطلاق له.
خوض الحروب في عالم اليوم لم تعد أدواته الأسـلحة الفتاكة فقط، فهناك أسلحة أخرى أشد مضاء، أسلحة أخلاقية وثقافية وإعلامية. وفي العادة ينتصر مؤقتاً الجيش الذي يمتلك قـوة نيران أكبر، وينتصر في نهاية المطاف الطرف الذي يقف في الجانب الصحيح من حركـة التاريخ.
ألمانيا النازية بنت أقـوى جيش في العالم، وشكلت قوة مادية لا تقهر، ولكنها انتهت بالهزيمة والدمار، وبدلاً من مطامعها في أراضي الغير، اقتطع أعداؤها ما شـاء لهم طمعهم أن يقتطعوا من أراضيها فتوسـعت روسيا على حساب بروسـيا الشرقية وزحفت بولندا غرباً لإخـلاء الأراضي لصالح روسيا، وأخذت فرنسا الالزاس واللورين، وظفرت تشيكوسلوفاكيا بالسوديت، انفصلت النمسا عن الدولة الأم.
الاتحاد السوفييتي أقـام أكبر جيش في العالم، وبنى أكبر ترسـانة من الأسـلحة الذرية والصواريخ العابرة للقارات ولكنه لم يصمد أمام قيـم ومبادئ أعدائه فكانت النتيجـة أنه هزم دون أن يطلق رصاصة واحدة.
الحسـم الآني للصراعات يتم بموجب موازين القـوى، ولكن النتائج النهائية تتقـرر على ضوء الموازين الأخلاقية. وعلى أصحاب الحق أن يتمسـكوا بحقهم، فلا يتنازلوا عنه بحجـة أن ميزان القوى ليس في صالحهـم.
أعطني قـوة أخلاقية وإرادة سياسية ووعياً تاريخياً، وأنا أضمن لك حسـن الختام.
( الراي )