تفاوض سري و«اتفاق إطار» لتصفية القضية

في وصفها للقاء محمود عباس مع نتنياهو في منزل الأخير في شارع "بلفور" الواقع في القدس الغربية ، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "نتنياهو استقبل عباس عند مدخل منزله. صافحه بحرارة ورافقه إلى الداخل. قال له: "يسرني أنك جئت إلى منزلي". فرد عليه عباس بمزاح: "حقا منذ زمن بعيد لم نلتقً". بعد ذلك كتب رئيس السلطة في سجل الضيوف: "اليوم عدت إلى هذا المنزل بعد فترة طويلة من التغيب ، كي أواصل المحادثات والمفاوضات ، انطلاقا من الأمل في الوصول إلى سلام خالد في كل المنطقة". ومن هناك واصل نتنياهو وعباس طريقهما إلى غرفة الاستقبال ، حيث كان في انتظارهما عشرات المصورين والمراسلين. وبعينين تشعان سعادة رحب نتنياهو بعباس ، بينما خلد المصورون الزعيمين وهما يتصافحان ، وخلفهما العلم الفلسطيني".
حدث ذلك على مرمى عشرة أيام من انتهاء قرار تجميد الاستيطان في الضفة الغربية (لا يشمل التجميد القدس) ، وبعد أيام من احتفالية المفاوضات المباشرة في البيت الأبيض ، فيما ساسة واشنطن منشغلون بالخطوة التالية للاحتفال ، وفيما "تجاهد" هيلاري كلينتون إلى جانب جورج ميتشيل من أجل دفع المفاوضات ، ومن ثم إقناع نتنياهو بإيجاد صيغة معقولة لمسألة تجميد الاستيطان ، مع ضغوط مكثفة على عباس من أجل أن لا يوقف التفاوض في حال لم تعجبه صيغة التجميد.
الأكيد أن عقد اللقاء في بيت نتنياهو لم يكن بريئا ولا عبثيا بحال ، فقد أراد المعنيون إعطاء الانطباع بأن زمن القطيعة قد ولى ، وحل مكانه زمن اللقاءات الحميمة (مساعي تفعيل المسار السوري وزيارة ميتشيل لدمشق تندرج في ذات الإطار) ، وعلى العرب تبعا لذلك التقدم خطوة أو خطوات في اتجاه الطرف الإسرائيلي ، وقد ذهب الرئيس المصري في مقاله في "نيويورك تايمز" إلى أنه "ينبغي على الدول العربية أن تواصل التدليل على جدية مبادرتها من خلال خطوات تلبي آمال وتبدد مخاوف رجل الشارع الإسرائيلي".
هيلاري كلينتون لا تتردد في إشاعة أجواء التفاؤل بشأن المحادثات ، مع التأكيد على أنها ستشمل القضايا الجوهرية ، وهي تطالب عباس بأن يفعل ذلك عبر حث مساعديه على وزن تصريحاتهم المتعلقة بالأمر حتى لا تخرّب العرس الذي تعب أوباما في ترتيبه.
كل ذلك على أمل تجاوز عقدة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بأقل قدر من الخسائر ، لاسيما أن غضب الصهاينة عليه (على أوباما) سيكلفه الكثير ، في حين يريده جنرالات البنتاغون من أجل تقليل احتمالات انفجار الوضع في الضفة الغربية على نحو يؤثر على جنودهم في العراق وأفغانستان وعموم المصالح الأمريكية في المنطقة كما كرروا مرارا.
اللافت أن المفاوضات ستتم في أطر سرية ، سواء جاءت بذات الصيغة التي اعتمدت خلال ولاية أولمرت - ليفني ، أم من خلال مسار سري آخر غير معلن بين فريق فلسطيني وآخر إسرائيلي مفوض من نتنياهو على شاكلة اتفاق أوسلو الذي فاجأ به ياسر عرفات الجميع ، بما في ذلك مصر ، بينما كان محمود عباس هو مهندسه الأبرز.
الهدف من المسار السري ، وأقله غير المعلن من حيث التفاصيل هو التوصل إلى "اتفاق إطار" لا يبتعد كثيرا عن اتفاق أوسلو من حيث الشكل وطبيعة الغموض وإمكانية التفسير المتباين (الدوائر الإسرائليية تتحدث عن موافقة مصرية على هذه الصيغة) ، وهو اتفاق سيستغرق تطبيقه العملي سنوات طويلة ، هي عشر بحسب البعض وعشرون بحسب آخرين ، فيما الواقع أنها ستحول النزاع إلى نزاع حدودي لأن جوهره (أعني اتفاق الإطار) هو المضي في برنامج الدولة المؤقتة أو السلام الاقتصادي ، حيث ستتمدد السلطة إلى حدود الجدار ، وتصبح دولة لا ينقصها الكثير كما يراها أصحابها (السيادة مسألة نسبية وأهمية الدول لا تنبع من مساحتها كما سيرددون،،).
هذه هي خطورة ما يجري على الأرض (هو تصفية عملية للقضية ، لاسيما أنه سيأتي معطوفا على الاعتراف بيهودية الدولة العبرية) ، ما يعني ضرورة أن يتوافق أهل الرأي والفعل في الساحة الفلسطينية على وسائل فاعلة للتصدي لهذا المشروع ، وهم قادرون على ذلك إذا أحسنوا إدارة المعركة ، ومعهم جماهير لن تقبل صفقة تلبي طموحات نفوس مهزومة مسكونة بالدفاع عن مصالحها ، وليس عن مصالح الوطن وقضيته وصراعه التاريخي.
( الدستور )