أردوغان يكسب الجولة في الحلبة الأوربية !!

تم نشره الإثنين 13 آذار / مارس 2017 06:41 مساءً
أردوغان يكسب الجولة في الحلبة الأوربية  !!
الكاتب محمد فخري جلبي

العلاقة بين تركيا والأتحاد الأوربي عبارة عن مسيرة معقدة من التوافق والأختلاف المستمر ، ولكن أحداث الأمس وماأعقبها من ردات فعل نشهدها اليوم وفي الأيام المقبلة تعد ذروة العلاقة الشائكة بين الدولة التركية والنادي المسيحي في الغرب (الأتحاد الأوربي وكما يصفه الساسة الأتراك ) . وضمن مسلسل تصاعد وتيرة الأزمة بين الجانبين ،  فقد أرتفع سقف الأتهامات وتعالت الأصوات المنددة من كلا الفريقين تجاه الأخر . وللمرور سريعا على ردات الفعل ، فقد وصف أردوغان بعض الحكومات الأوربية بفلول النازية ، كما أعتبر الحكومة الهولندية بالحكومة الفاشية . وحذر أردوغان بأن النازية النائمة قد أستيقظت بعد سبات طويل في حاضنتها الأم . وفي هذا الصدد جاء الرد الهولندي على لسان رئيس وزرائها حيث وصف تصريحات أردوغان بغير المتزنة والمجنونة ، وقد أعرب عن ذلك خلال حملة أستعداد للأنتخابات التي تجري في 15 آذار/ مارس بالقول "إنه تصريح مجنون بالطبع.. أفهم أنهم غاضبون، ولكن هذا بالطبع أسلوب غير مقبول" ، وضمن سياق مؤشرات ردات الفعل فقد أقترح رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوك راسموسن اليوم الأحد تأجيل زيارة مقررة لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم هذا الشهر بسبب الخلاف الدبلوماسي بين تركيا وهولندا.
وما أشعل فتيل الأزمة بين الطرفين ( الأوربي والتركي )هو منع طائرة وزير الخارجية التركي من الهبوط في الأراضي الهولندية ، وطرد وزيرة الأسرة التركية إلى الحدود الالمانية.

ولكن ماهي أسباب الخلاف مع الدول الأوربية ، وماهي المؤشرات التي سبقت هذا الخلاف ؟؟
تعتبر ألمانيا رأس الأتحاد الأوربي ، كما تعتبر أنغيلا ميركل مهندسة العلاقات السياسية للأتحاد مع دول العالم ، والعداء بين السلطان التركي وعرابة السياسية في القارة العجوز يمتد إلى بضع سنوات مضت !! حيث تكمن تفاصيل الخلاف حول رفض الدول الأوربية حرف العربة التركية إلى الساحات الدكتاتورية العثمانية أن تم تحويل نظام البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وذلك ان تم أستمالة ملايين الناخبين للتصويت على  الدستور الجدبد في الوقت الراهن ، بالأضافة إلى جملة الممارسات السابقة التي تقوم بها الدولة التركية بقيادة أردوغان لخلع الفستان العلماني ( الذي تفرضه الدول الأوربية ) وأرتداء الثوب الأسلامي .
ويمكننا تلخيص المشلكة من خلال نقطتين أساسيتين وهما . .
1. حرية الصحافة .
فالجدير بالذكر بأن الحكومات الأوربية تتوجس  من تعامل الحكومة التركية مع الصحفيين والمعارضيين الأتراك . فقد واظبت الحكومة التركية على أعتقال الصحفيين ومضايقتهم وقد تجاوز أعداد المعتقلين من الصحفيين العشرات ، وعلى سبيل المثال  ففي صباح الإثنين (31 أكتوبر 2016 قامت السلطات التركية بأعتقال رئيس تحرير أكبر الصحف التركية وأكثرها أحترامًا في البلاد صحيفة جمهوريت ومحاولة أغتياله الفاشلة والحكم عليه غيابا بالسجن خمس سنوات عقب سفره إلى ألمانيا ، وقد صرح في حينها أردوغان بعدم أمتثاله لقرار المحكمة الدستورية للأفراج عنه مما أدى إلى حملة أنتقادات دولية حول هذه الواقعة . بالأضافة إلى أحتجاز الصحفي الالماني التركي دنيز يوجيل المحبوس في تركيا بتهمة القيام بدعاية أرهابية مما دفع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للقول
يجب أن يسمح للصحافة الحرة بالبقاء وأن يتمكن الصحفيون من القيام بعملهم ولهذا السبب نحن نفكر اليوم في دنيز يوجيل الموقوف في تركيا ونطالب باطلاق سراحه " .
والسجال حول هذه المحور مشتعل بين الجانبين دون أمكانية التوصل إلى حل جزئي يرضي الطرفين !!
فالدولة التركية بعيد الأنتقادات الأوربية اللاذعة حول أعتقال الصحفيين وحرية الصحافة قد ردّت بحدة عبر رئيس وزرائها بن علي يلدرم حيث قال "بمجرد أن نُفذت الأعتقالات في هذه الصحيفة خرجوا مثل الكورال للبدء فورًا في ترديد أن حرية الصحافة أنتهت، ونحن أعتدنا على ذلك"، وتابع يلدرم "نحن لا نهتم بخطكم الأحمر ، الشعب هو من يرسم الخط الأحمر، ما أهمية خطكم.
والشيء بالشيء يذكر فأن معيار حرية الصحافة يتم التلاعب به بحسب رغبة الدول الأوربية ، ففي فبراير 2016 تم أعتقالي بسبب قصيدة ( أنتقاما للشهيدة ) من قبل الحكومة النرويجية بعيد قيام السفارة الإسرائيلية في أوسلو بفبركة مكيدة ضدي بسبب تلك القصيدة ، هنا تموت حرية الصحافة الأوربية !!!!!

2. والنقطة الأخرى المفصلية في نشوب الخلاف بين الدولة التركية والأتحاد الأوربي هو حزب العمال الكردستاني .
فالدولة التركية تعتبر الحزب الكردستاني العدو اللدود للدولة ، وأن النقاش حول العمليات العسكرية ضد الحزب هو شأن داخلي تركي وخط أحمر لايحق لأي أحد تجاوزه . أما بالنسبة للقارة العجوز وحول موضوع الحزب الكردستاني تختلف النظرة الأوربية تجاهه ، فلقد أعربت ألمانيا من جانبها بالأعتراف بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، لكنها مع ذلك تؤوي العديد من الأفراد الذين يصفهم صحفيون ألمان بأنهم "مقاتلون من أجل الحرية" أو مدافعون عن القضية الكردية.
كما أن بلجيكا مثلًا، ترى أن أنشطة حزب العمال الكردستاني شرعية، ولا تصنفه كمنظمة إرهابية، إلى حد أنها سمحت لنشطاء الحزب ببناء خيمة أمام مقر قمة تركية أوروبية عقدت  في بروكسل.
ويجدر التنويه هنا بأن ورقة القضية التركية ورقة مهمة في جعبة اللاعبين الأوربيبن من أجل الضغط على تركيا ،  وممر أمن بالنسبة لفتح صفحة المساومات مع الأتراك !! فأوروبا الرسمية ليس من مصلحتها حل القضية الكردية في تركيا ، بل وتقوم بتأجيجها من خلال أيواء الأحزاب الكردية في أرضيها وتقديم الدعم اللازم لهم في سبيل تحقيق جملة مكاسب !! فبقاء القضية الكردية دون حل يعني بقاء تركيا ضعيفة، مضطربة الداخل، تهدر المليارات في حرب عبثية ضد أبنائها . يعني بقاء الحجة الأوروبية في عدم قبولها عضواً كاملاً في الإتحاد الأوربي.
فالغرب سادة من ساوم وقايض وأستنزف الدول ، وأعتقد بأن الدول الأوربية لن تتوان عن نسف كل الحلول التي تفضي إلى حل القضية الكردية مع الدولة التركية .
  
ومن أجل للخوض في هذا الصراع الأوربي التركي  ينبغي أن نذكر أن مرحلة الصراع لم تبدأ بالأمس ، فالحكومة التركية دائمة الشكوى من تصرفات الدول الأوربية والتي تتهمها بزعزعة أستقرار الدولة التركية ومحاولة أضعاف صورتها وتشويهها في المجتمع الدولي ، وبأعتقادي بأن للغرب في تطبيق تلك السياسة  أسبابهم !! فأوروبا والغرب بشكل عام، كان ينظر إلى نموذج رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية بأعتباره نموذج الإسلام الوسطي المعتدل في الحكومة، ويعتقد كثيرون أن هذا هو ما سمح للحزب بالبقاء والأستمرار حتى الآن . ولكن برأيي الشخصي لقد أختلفت النظرة الأوربية وغادر حزب التنمية نافذة الأعتدال بالمنظور الأوربي عقب الأعتقالات التعسفية بحق الصحفيين وزعماء المعارضة بذريعة الأنقلاب العسكري (وكما ترى أوربا تلك الصورة ) ، بالأضافة إلى تغيير مسار عربة السياسة التركية من ساحات البيت الأبيض إلى ساحات الكرملين ( الفزاعة في وجه أوربا ) . بينما تصف الحكومة التركية ممارسات الدول الأوربية في تجاهها بالهمجية والغير مسؤولة ،  وقد عبر عن مشاعر الغضب التركي تجاه أوربا تصريح نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي في ندوة بمركز "سيتا" تحت عنوان "نظام الحكم الرئاسي" بالعاصمة أنقرة، قال فيها:" تصاعد العنصرية ومعاداة المهاجرين والإسلام وشخصنته في تركيا والرئيس أردوغان، بات مرضًا للقارة العجوز" ، ودعا نعمان لضرورة أتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الفاشية والعنصرية ضد الإسلام وتركيا ، مضيفًا أن هذه الممارسات تقوض أوروبا من الداخل .

لاشك بأن هناك أجراءات لأطفاء الحرائق الأوربية التركية الأن . وتتباين في هذا الصدد ردات الفعل والمواقف ، فالدول الأوربية كما جرت العادة تعتمد سياسة الألتفاف وتدوير زوايا الأختلاف مع الجميع أن كان المستهدف دولة أوربية على غرار هولندا من أجل معاقبة تركيا . ولقد بات من المطروح أيضا رغبة الأوساط الداخلية الأوربية بتطبيق القوة لمواجهة اللاعب التركي المتمرد على القارة العجوز ،
ففي داخل ألمانيا تتصاعد الأنتقادات للحكومة وللمستشارة ميركل إذ طالبها الحزب اليساري بأتباع أقوالها وقلقها بالأفعال تجاه تركيا، التي تثير غضب الساسة في أوروبا بشكل عام . مقياس ريختر للهزات السياسية سيسجل عدة هزات أرتدادية في الأيام المقبلة ، وبحسب تحليلي الشخصي للواقعة فقد أتت الرياح بماتشتهيه سفن حزب العدالة بما يدعم موقفها تجاه تعديل الدستور ، فالشعب التركي منغمس بالنزعة القومية حتى النخاع وسوف نشهد ألتفاف المعارضين قبل المؤيدين خلف أردوغان في مواجهة الدول الأوربية وتأييد التعديلات الجديدة على الدستور .
مهما أختلفنا حول دور أردوغان المريب في منطقة الشرق الأوسط ، ولكن بالنسبة للعرب والمسلمين يعد موقفه مشرفا إلى حد ما بالوقوف وجها لوجه أمام الأتحاد الأوربي .



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات