عن خطبة الجمعة الموحّدة

تم نشره السبت 25 آذار / مارس 2017 12:53 صباحاً
عن خطبة الجمعة الموحّدة
ياسر الزعاترة

منذ شهور بدأت وزارة الأوقاف باعتماد سياسة الخطبة الموحدة يوم الجمعة، في حين اعتمدت هذه السياسة في دول أخرى قبل ذلك، وإن تم تجاوزها في مصر بإصرار الأزهر على رفضها مقابل تشبث وزارة الأوقاف بها.

هناك أكثر من ملاحظة يمكن إيرادها كدليل على إشكالية هذه السياسة، لعل أولاها ما يتعلق بدلالة التوقيت، إذ إنها تأتي في ظل موجة من الخطاب تحيل ما تشهده المنطقة من أحداث عنف وفوضى إلى الخطاب الديني؛ ما يعني أنها تمثل تصديقا لنظرية خاطئة.

ما يجري في المنطقة من أحداث هو نتاج ظروف موضوعية، وليس نتاج الخطاب الديني، وتحدثنا مرارا عن هذا الموضوع، وقنا إن العنف ليس ظاهرة فكرية، وإن توسلت الأفكار الأكثر رواجا في حينها، والمناهج كانت موجودة دائما، وخطب الجمعة المرتجلة أيضا، وكل ما تُحال إليه الظاهرة، لكن العنف لم يخرج إلا في هذه المرحلة، وربما في مراحل أخرى في بلدان محددة تبعا لظروف موضوعية أيضا، ولو كانت كذلك لما رأينا النسبة الكبرى من عناصر تنظيم الدولة مثلا (قياسا بعدد السكان) يخرجون من تونس، وحيث الخطب الموجّهة، والمناهج المعلمنة بالكامل، من دون أن يعني ذلك رفضا لمبدأ تنقية الخطاب الديني من بعض ما علق به من أفكار تحتاج لمراجعة.

تحميل الخطاب الديني مسؤولية ما يجري هو من الناحية العملية تصديق لخطاب الغرب الذي يذهب في نهاية المطاف نحو تجريم الإسلام نفسه، بوصفه دينا ينتج العنف بطبيعته، وهو خطاب عدائي لا صلة له بالحقيقة، بل إن كثيرا من المنصفين في الغرب يرددون ذلك دون مواربة.

هذا من حيث الخلفيات والدوافع، ولكن ماذا عن المسألة من أصلها، أعني توحيد خطبة الجمعة في كل المساجد من الألف إلى الياء؟

هنا يمكن القول ابتداءً إن توجيه وزارة الأوقاف للخطباء بالتركيز على هذا الموضوع أو ذاك، من المواضيع التي تهم المجتمع، كما حصل في الأسابيع الأخيرة مثلا بشأن قضايا حوادث السير وبر الوالدين، وصولا إلى قضايا فقه الجهاد.. كل ذلك لا بأس فيه، بل إن إرسال خطبة مقترحة مكتوبة للخطباء ليست أمرا سيئا ما دامت لا تُفرض على الجميع بالنص، لا سيما أن هناك آلاف المساجد التي يعتلي فيها المنبر أناس بسطاء من حيث الفقه والعلم، ويمكن أن  يستفيدوا من خطبة مكتوبة بشكل جيد بدل أن يتعبوا الناس ببضاعتهم المزجاة التي ترهق المصلين أكثر مما تفيدهم، مع أن التحضير لخطبة ذاتية جيدة يبقى أفضل لتطوير العلم والفقه.

المشكلة هي فرض نص كامل، ولهذا جوانب سيئة، لعل أبرزها تفريغ فكرة الخطبة من مضمونها الروحي، وتحويلها إلى بيان إذاعي، وفي زمن مواقع التواصل سيتم تداول النص الذي ترسله الوزارة للخطباء عبر الإيميل والواتس أب، ويشعرون بعدم الحاجة للاستماع للخطبة من الأصل، ويكفيهم أن يدركوا الصلاة لولا مسألة الأجر، مع العلم أن الاستماع للخطبة ليس من أركان الجمعة، إذ تجزئ الصلاة وحدها.

الجانب الآخر يتعلق بفرض حالة من الكسل على الخطباء، فبدلا من بذل الجهد في التحضير للخطبة على نحو يعزز من علمهم وفقههم، سيتكلون على نص مكتوب، ولن يضيفوا لمعارفهم شيئا، فيما الحاجة ماسة لأهل العلم لتبصير الناس بدينهم، بخاصة أنهم يتحدثون في مناسبات شتى، وليس يوم الجمعة فقط.

هناك جانب يتعلق بخصوصيات أهل المنطقة، والتي ينبغي أن يوليها الخطيب أهمية أيضا، وهذه تختلف من منطقة لأخرى تبعا للواقع الاجتماعي والاقتصادي، وهناك أيضا خطباء يتبعون مع أهل مسجدهم أو منطقتهم منهجية معينة في العلم والفقه، والخطبة الموحدة تمنعهم من ذلك.

والخلاصة إن سلبيات الخطبة المكتوبة المفروضة أكثر من إيجابياتها، فضلا عما ذكرنا حول تفريغها للمناسبة من أبعادها الروحية.

الدستور 2017-03-25



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات