الهجوم على دمشق: ضعف النظام وعزيمة المعارضة والحرب مستمرة

تم نشره الأحد 26 آذار / مارس 2017 02:06 مساءً
الهجوم على دمشق: ضعف النظام وعزيمة المعارضة والحرب مستمرة
الهجوم على دمشق - ارشيف

المدينة نيوز :- طوال الحرب السورية التي دخلت عامها السابع هذا الشهر ظلت العاصمة دمشق بعيدة عن المواجهات التي دمرت حمص وحلب ودرعا ومعظم المدن الثائرة على النظام السوري. ومع أن الحرب كانت حاضرة في دمشق من خلال أصوات قنابل الهاون والتفجيرات الانتحارية التي تنفذ بين الفينة والأخرى، ظلت الحياة في المدينة حية، مطاعمها ونواديها وشوارعها تعج بالحياة والبهجة المبطنة بالخوف. وما يميز الجبهة الشامية كما كشف تشارلس غلاس بتقرير نشره موقع «نيويورك ريفيو أوف بوكس» (3/2/2017) فالحرب حول دمشق هي حسب الطلب. وكان الصحافيون الذين يزورون العاصمة بناء على أذونات من الحكومة يعودون بحس أن الحرب تجري في أماكن بعيدة وأن هناك «سوريا مختلفة» في دمشق. وزاد حس الأمان والثقة بالنفس بعد خروج المقاتلين من مدينة حلب نهاية العام الماضي بعد معركة دموية جرت أمام سمع وبصر العالم. وبعدها انحرف ميزان الحرب لصالح النظام أو هكذا بدا الأمر وأصبحت روسيا اللاعب الرئيسي على الساحة في لعبة تسوية هشة بدأت في أستانة عاصمة قازخستان والآن في جنيف. وبدا أن المعارضة للنظام التي انهارت في الشمال على طريق الخروج من اللعبة خاصة في ظل التغيرات التي شابت حلفاءها من دول الخليج المنشغلة بحروبها الإقليمية وتركيا التي يسكنها الخوف من كيان كردي على حدودها الجنوبية، يكون امتدادا لدولة حزب العمال الكردستاني الساعي لبنائها في تركيا منذ أكثر من أربعة عقود. لكل هذا وجد مقاتلو حي الوعر في حمص، آخر معاقل المقاومة في المدينة المحاصرين منذ سنين الحل بالخروج إلى إدلب وريفها.

نيران فوق دمشق

إلا أن الحرب السورية المتحولة دائما والمليئة بالمفاجآت اندلعت في قلب العاصمة دمشق، ووصل المقاتلون إلى ساحة العباسيين قبل أن يسترد النظام المبادرة ويقوم بالمواجهة. وكان الهجوم مفاجئا له ولمراقبي الشأن السوري، سواء بتوقيته أو بطريقة تنفيذه والقوى التي شاركت فيه، والمنطقة التي انطلق منها. وأدى في يوم الأحد الماضي لنشر الذعر بين سكان العاصمة حيث بدت الشوارع مقفرة وأغلقت المحلات والمدارس. وسقطت قنابل الهاون في المناطق السكنية وأزت المقاتلات العسكرية وتردد صوت قعقعة الرصاص في كل المدينة التي عادت إلى جبهات القتال في الحرب المستعرة منذ عام 2011. ويعتبر الهجوم المباغت الذي أطلق عليه «يا عباد الله اثبتوا» الأول من نوعه والذي يصل فيه المقاتلون إلى قلب دمشق منذ عام 2012. ورغم تأكيد جماعة عباد الرحمن التي قادت الهجوم على استعادة كل ما فقدته بعد رد النظام إلا أن الهجوم كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» (21/3/2017) لن يقود إلى تقدم مستمر في المعقل الرئيسي لبشار الأسد، أي العاصمة والذي يبدو أن قواته استطاعت وقفه. ولكن المعركة الأخيرة كما قالت مصادر في المعارضة، جاءت كهجوم وقائي لإحباط تحرك للنظام كان يهدف لضرب آخر جيب لهم في الغوطة الشرقية وبالتالي استعادة السيطرة على ريف دمشق ونواحيها. ففي السنوات الماضية فرضت القوات الموالية للنظام حصارا على مراكز المعارضة وأجبرتها على الاستسلام ضمن ما أطلق عليها عمليات «المصالحة» وبالتالي اخضاع هذه المناطق بالقوة. ولم يتورع النظام في غالب الأحيان عن ضرب مراكز المقاتلين بالطيران والمدفعية بحيث سوى مناطقهم بالتراب.

دلالات

إلا أن المعركة الأخيرة التي اندلعت في دمشق والجبهة التي فتحتها المعارضة في ريف حماة وتقول إن النظام تراجع من مراكز مهمة فيها، تؤشر إلى عدة أمور وهي ضعف سيطرة النظام على الوضع بعد عام ونصف من المكاسب التي تمت بمساعدة الطيران الروسي والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، بشكل أعطى صورة أن الحرب قد انتهت بانتصار الأسد. وكما يتضح من تطورات الأسبوع الماضي فالمعارضة ليست لديها القدرة الكافية على الإطاحة بنظام الأسد ولا يملك الأخير الوسائل الكافية لهزيمة المقاتلين. ويرى أندرو تابلر، الزميل الباحث في معهد واشنطن «هذا لا يعني ان النظام سيهزم، فقواتهم (المعارضة) صغيرة وهم يقومون بهجوم في مكان ثم يتراجعون ليبدأوا الهجوم في مكان آخر، وهذا يحدث منذ سنوات». أي حرب استنزاف طويلة وحرب بلا نهاية. وتضع هذه الجهود الروسية للتوصل إلى تسوية أمام مأزق، فلطالما تحدث الروس عن إقامة قصيرة في سوريا وأنهم يرغبون بتسوية مرضية للأطراف وأنهم حريصون على مؤسسات سوريا وليسوا مرتبطين بالأسد كشخص. لكن التطورات الميدانية تجعل من التقدم على المستوى السياسي أمرا صعبا. وعلى ما يبدو فالعملية مصممة لتأكيد حضور المشاركين فيها ومحاولة منهم لتحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات وتعزيز صورتهم كقوى لا يمكن تجاوزها ميدانيا أو سياسيا. وفي هذا السياق كانت الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة لإدارة باراك أوباما قد تراجعت عن الدبلوماسية وتركت القرارات للإدارة المقبلة. ولم تقدم إدارة دونالد ترامب سياسة واضحة من سوريا غير الحديث عن «سحق تنظيم الدولة الإسلامية» وإخراجه من «عاصمته» الرقة. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2016 رعت روسيا وتركيا اتفاق وقف لإطلاق النار إلا أن النظام السوري واصل تقدمه في جيوب المعارضة حول دمشق. ومن هنا جاء الهجوم المباغت محاولة من المعارضة لإجباره على الإلتزام بالاتفاق كما قال وائل علوان، المتحدث باسم فيلق عباد الرحمن التي تعتبر المجموعة الرئيسية في الهجوم هو تذكير النظام بضرورة الإلتزام باتفاق وقف إطلاق النار وبالضرورة الدفاع عن القابون وحي جوبر الذي يعتبر من أكبر الجيوب الواقعة تحت سيطرة المقاتلين في الغوطة الشرقية.

خلافات المعارضة

ورغم تماسك الحملة والتنظيم في الهجوم الأخيرعلى دمشق إلا أن المحلل في الشؤون السورية أرون لوند في مؤسسة «سينتشري فاونديشين» أشار إلى المشكلة الفصائلية والخلافات التي عانت منها الثورة السورية. فعباد الرحمن المعتدل تعاون مع جماعة أحرار الشام التي يراها البعض متشددة لشن الهجوم إلا أن القوة الرئيسية في دمشق وهي جيش الإسلام الذي يعتبر المنافس الحقيقي لهما، لم يشارك في الهجوم بشكل يؤثر على نجاعة الحرب ضد النظام. مع أن الجهود المشتركة هي التي أدت لهذا الهجوم المفاجئ ونشرت الرعب في صفوف النظام الذي سارع لاستدعاء فرقه العسكرية والفرقة الرابعة التي تدافع عن العاصمة كي تستعيد زمام المبادرة. ويرى لوند أن وحدة المعارضة «تعني مشكلة حقيقية للحكومة». وعلق أرون أن الهجوم كشف عن وجود تصميم قتالي لدى المعارضة وفي الوقت الحالي لن تؤدي هذه العزيمة لهزيمة النظام إلا إذا تصدع من الداخل أو انهار بطريقة درامية فعندها ستكون للمعارضة فرصة للانتصار.

مظاهر ضعف

وفي المحصلة تكشف المواجهات عن فشل كل طرف في المعركة توجيه الضربة القاضية وتحقيق النصر. فكما تقول صحيفة «التايمز»(21/3/2017) فالهجوم يعتبر أخبارا سيئة لكن ليس للجهاديين. فهي سيئة للنظام، لأن العزيمة القتالية لدى المعارضة لم تمت كما كان يأمل بسقوط حلب. وهي سيئة له لأنه بات يعتمد كثيرا على الروس والإيرانيين الذين ساعدوه على تحقيق المكاسب الماضية. وعندما يغيبون فهو خاسر دائما. وبالسياق نفسه فالهجوم وإن عبر عن قوة المعارضة إلا أنه كشف عن محدودية ما يمكنها عمله. فالمقاتلون وإن وصلوا إلى قلب العاصمة واقتربوا من المدينة القديمة لكنهم يعرفون أن دمشق لن تسقط بأيديهم. وأهم ما يكشفه الهجوم الأخير هو طبيعة التحالفات المتحركة بين الفصائل السورية. فعندما يجد المعتدلون أن حلفاءهم في الغرب والخليج وتركيا قد توقفوا عن دعمهم فهم لا يجدون غضاضة من التعاون مع الجماعات الأخرى وإن كانت متشددة أو جهادية للدفاع عن أنفسهم. وبالنظر لما عانته الجماعات المعتدلة من ملاحقة النظام لها وتجاهله العناصر الجهادية التي ظلت تتوسع في الصحراء والمناطق الريفية- سواء كانت جبهة النصرة أم تنظيم «الدولة» – فإن التحالف بين الطرفين يثير قلق الأطراف الخارجية التي ظلت تحذر من صعود الجهاديين وتقول إنها لا تريد استبدال نظام ديكتاتوري بآخر جهادي. وهذه الأطراف لم تقدم للمعارضة ما يساعدها على النصر. ومن هنا فالتطور الأخير وإن كان محاولة من بعض الجهات لتعزيز صورتها إلا أنه يكشف عن نجاعة التحالف مع الجماعات الجهادية والنتائج التي يمكن أن يسفر عنها. خاصة أن خسارة الغوطة الشرقية ستكون ضربة أخرى للمعارضة، فهي من أكثر التجمعات السكانية الخاضة للمعارضة. وفي ذروة الحرب كانت تستطيع حشد قوات كبيرة أكثر من تلك التي صمدت ودافعت عن حلب.

دور الروس

وتظل المعركة على «حدائق دمشق» أو الغوطة رهن الأطراف الخارجية والخطوة المقبلة التي سيتخذها الروس والإيرانيون الذين يقفون وراء الأسد. وفي ظل محاولات موسكو التأثير على منطقة الشرق الأوسط واتخاذ سوريا نقطة انطلاق لها فإن التصريحات عن خطط لإقامة قاعدة عسكرية في عفرين ذات الغالبية الكردية شمال سوريا إشارة للرهان الروسي في سوريا، فموسكو تحاول الإمساك بأوراق اللعبة والتحالف والتعاون مع كل الأطراف- النظام والمعارضة وتركيا والأكراد- والجمع بين كل الأضداد. وقد يصبح الأكراد ورقة ضغط تلوح بها روسيا وبالضرروة أمريكا لإجبار النظام والمعارضة على تقديم تسويات. وفي ظل خسارة تركيا الرهان على منبج والرقة فسترتفع أوراق الأكراد في اللعبة السورية كما هي في اللعبة العراقية اليوم. وفي النهاية تظل المواجهات في دمشق وحماة علامة على أن الحرب مستمرة ولا مخرج لكل اللاعبين منها. فبالنسبة للروس الذين بنوا حساباتهم للتدخل لإنقاذ الأسد ومنع «فيروس» الثورات العربية أو تغيير الأنظمة فلا خطة خروج واضحة من المستنقع السوري. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن عن أنجاز المهمة أكثر من مرة ليعود ويزيد من قواته وانخراطه. وكما يقول الكسندر شوملين من المعهد الروسي لدراسة الولايات المتحدة وكندا «فلا مخرج يلوح في الأفق» حسبما نقلت عنه مجلة «إيكونوميست» (25/3/2017). وكما تظهر التحركات الإسرائيلية الأخيرة فهناك قلق من وجود إيراني طويل الأمد في سوريا. وكشفت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» (16/3/2017) عن خطط إيرانية لإقامة قاعدة عسكرية على البحر المتوسط. ومع مراوحة الجهود السلمية التي تقودها روسيا مكانها فهي تتعلم مثل الأمريكيين من قبلها أن تحقيق السلم أصعب من الانتصار في الحرب.القدس العربي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات