إجماع وطني أم عشائري؟

الدعوة التي وجهها عبدالهادي المجالي لأبناء عشيرته تلخص المشهد السياسي الأردني. فهي جزء من سياق عام سبقه إليه مرشحون من قبل، بعضهم "طرمنا" بدعوات اللبرلة وبناء دولة المواطنة وسيادة القانون. لكنهم لن يضحوا بالإجماع الذي انعقد لابن العشيرة البار.
الغريب أن الدعوة جاءت بعد أن قدم المجالي تصوراته عن "التيار الوطني" الجاهز لمواجهة التيار الإسلامي في الدائرة الثانية. وعليه، فإن أبناء الدائرة الثانية من أنصار "التيار الوطني" من حقهم أن يلبوا الدعوة في الكرك، بما أن الهموم الوطنية من فقر ومديونية ومياه وتعليم وصحة لا تتجزأ.
أبناء عشيرة المجالي شركاء في الإنجاز والتضحيات والبناء تماما كما هم شركاء في الهموم والابتلاءات. وكل واحد منهم يستحق أن يكون رئيس وزراء الوطن لا مجرد نائب عن دائرة انتخابية. فحابس المجالي عندما قاتل في الكتيبة الرابعة، أو الرابحة، في القدس، لم يقاتل طلبا لثأر شخصي ولا طمعا بمغنم صغير.
قاتل المجالي وغيره من أبناء العشائر الأردنية والعراقية والسعودية.. دفاعا عن مقدسات الأمة، والجيش الذي قاده من بعد لم يكن جيش المجالي ولا جيش الكرك ولا الجنوب ولا الأردن، كان "الجيش العربي المصطفوي".
في الهموم الصغيرة، لا يختلف الطلاب الصغار في الربة والقصر والياروت في أول أسبوع مدرسي عن نظرائهم في حي نزال والقويرة والرويشد، والمعلمون يتشابهون أيضا. ورغيف الخبز المدعوم هو ذاته، والكبار عندما يراجعون مستشفى البشير أو الجامعة أو المدينة لا يختلفون. وسعر المحروقات نقلا وتدفئة وطهيا واحد.
الذين بنوا نهضة البلاد لم يكونوا لقطاء، ولا نكرات. ولا خانوا عشائرهم عندما تحركوا في أفق الوطن والأمة لا في حمى العشيرة. عبدالسلام المجالي في الجامعة الأردنية لم يكن همه تعيين سائق من أبناء العمومة ولا ترفيع محاسب من المحافظة، شاد وغيره من أمثال ناصر الدين الأسد وإسحق فرحان وكامل العجلوني وغيرهم جامعة لأبناء الوطن كله بمعزل عن أصولهم ومنابتهم. وفي تلك السنين الخالية لم تكن الجامعة تشهد الاشتباكات العشائرية!
للأسف، في غياب الإجماع الوطني، نبحث عن إجماع عشائري. والواقع أن ما أضر بالعشيرة هو استخدامها سياسيا، ولم نشهد تشاحنا وبغضاء وفتنا وثارات في تاريخنا مثل ما شهدنا بعد تحويل العشيرة من وحدة اجتماعية إلى وحدة سياسية. وغدت باسم الإجماع عامل تفريق بين أبناء البلدة الواحدة قبل الوطن الواحد.
في الخمسينيات، وكما هو مثبت في محاضر مجلس النواب انسحب هزاع المجالي مع نواب الضفة الغربية من الجلسة حتى لا يفهم انسحاب النواب على أساس إقليمي، وكانت وحدة الضفتين في بداياتها. خالف قناعاته السياسية الشخصية حفاظا على وحدة الوطن. كان يرى نفسه باختصار نائب وطن لا نائب عشيرة.
( الغد )