ثقافة الأصبع السادسة

العجلة الخامسة في السيارة تعبير عن عدم جدواها ، فهي كالأصبع السادسة في الكف التي تأتي نتيجة تشوه خلقي ، اللهم الا اذا كان المقصود بهذه العجلة ما يوضع في مؤخرة السيارة كاحتياط ، بحيث يستبدل احدى العجلات التي يصيبها التلف في سفر طويل.
التعبير الاوروبي الشهير عن هذا النمط من المثقفين هو فلاسفة يوم الاحد ، وله من الدلالات ما يكفي لفهم الانسان العادي ، أما في ثقافتنا العربية فقد تعددت أسماء هذا النمط من المثقفين منهم حسب تعبير الحطيئة أهل الكدية والمسألة ، لكن ليس المسألة بالمعنى الشكسبيري وهو أن تكون أو لا تكون ، تلك هي المسألة ، بل التسول أو تزويج المقالات والقصائد لمن يشاء صاحب المسألة حسب الوصية الشهيرة للحطيئة قبل قرون،.
لقد عرف تاريخنا نمطا من شهود الزور الذين ألبسوا القتيل عباءة القاتل في مرحلة ما ثم ألبسوه معطفه في مرحلة أخرى وما كان للتاريخ أن يكون ممهورا بالوشاية وبصمات فقه النميمة لولا أن تلك السلالة احترفت النفاق والبرهنة على أن الارض مستديرة في الصباح ومستطيلة بعد الظهر وشبه منحرف في الليل ، أو انها لا تدور وان دارت فحول فلان أو علان من أولياء النعم،.
أثناء محاكم التفتيش ثمة مثقفون نجوا بجلودهم لأنهم قالوا بأن الارض واقفة مكانها مقابل آخرين تحولوا الى رماد لأنهم قالوا الحقيقة التي يعتقدونها ، وان كانت بين المنزلتين منزلة ثالثة اختارها غاليليو الذي قال أمام المحرقة ان الارض لا تدور.. ثم قال همسا لنفسه ولكنها تدور.
والعالم العربي يعج الآن بأناس يقولون بأن الفساد الأخطبوطي التهم كل شيء ، لكنهم يتغذون من نفايات الفاسدين ومنهم من تسمعه ليلا فتظن أنه الايوبي ، وقد بعث حيا وتسمعه نهارا فتحسب انه ابن العلقمي ، فالحرفة الآن هي في اجادة استخدام الأقنعة ما دام لكل حالة لبوسها كما يقال.
لقد اوشكت ثقافة العجلة الخامسة في السيارة أو الأصبع السادسة في الكف على حذف الفارق بين البطل والخائن والملاك والشيطان ، والعصا والناي وخشب القيثارة أو كعب البندقية وخشب القبقاب ، تماما كما تسعى هذه الثقافة الى حذف الفاصل بين المهد والتابوت،.
فالأصبع السادسة لا لزوم لها.. بعد أن غيبت البلاد والعباد وخلع من جذره الزناد،.
( الدستور )