المالكي على خطى الحريري .. الطريق إلى رئاسة الحكومة تمر بدمشق

تم نشره الخميس 23rd أيلول / سبتمبر 2010 07:20 صباحاً
المالكي على خطى الحريري .. الطريق إلى رئاسة الحكومة تمر بدمشق
عريب الرنتاوي

أدرك نوري المالكي متأخراً بعض الشيء أن فرص عودته لرئاسة الحكومة معلّقة على شرط استعادته لعلاقات طبية مع دمشق ، من هنا جاءت فكرة الموفدين والمبعوثين ورسائل "الطمأنة وأنصاف الاعتذارات" للقيادة السورية ، وفي هذا السياق اندرجت فكرة إحياء خط كركوك - بانياس النفطي الاستراتيجي ، باعتباره الشريان الذي سيغذي مسيرة تطبيع العلاقات العراقية - السورية ، ويؤسس لصفحة جديدة بين المالكي ودمشق.

لكأنه يسير على خطى سعد الحريري ، برغم اختلاف المرجعيات و"مرابط الخيل" بين الرجلين ، فالحريري الذي قاد من ساحة الشهداء حرب السنوات الأربع على دمشق ، واتهمها سياسياً باغتيال والده ، وهتف مع جهور 14 آذار المليوني"بدنا الثار وبدنا الثار...من لحود ومن بشار" ، عاد لتبرئة سوريا والاعتذار منها ، بل واعتبار العلاقة مع رئيسها خطاً أحمر ، وثابتا من ثوابت "المستقبل" و"لبنان أولاً" و"14 آذار".

لا ثأر شخصياً بين دمشق والمالكي ، كما ظنّ الحريري ذات شباط وآذار ، بيد أن رئيس الوزراء العراقي الأقوى في مرحلة ما بعد صدام حسين ، ظن أن تحميل سوريا وزر تفجيرات بغداد الدامية التي أطاحت بمرافق عراقية سيادية في آب 2009 ، ومطالبته تشكيل محكمة دولية للتحقيق في جرائم الحرب السورية في العراق (على غرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان) من شأنه أن يُرعب سوريا وأن يدفعها لمساعدته في التخلص من عقدة البعث والمقاومة والسنّة في العراق ، فضلا بالطبع عن رغبته في إرضاء الأمريكيين الذين لم يكونوا قد أخذوا حتى تاريخه ، بالاستدارة في علاقاتهم مع سوريا.

حسابات المالكي لم تختلف كثيراً عن حسابات الحريري ، مع أن رئيس الوزراء العراقي يبدو في وضع أفضل من نظيره اللبناني ، فالعراق ليس لبنان ، ونفوذ سوريا فيه ليس كنفوذها في لبنان. المهم أن الرجل الذي سلك طريق "الاتهام السياسي" لسوريا تيمناً بالحريري ، عاد وسلك طريق التراجع المنظم الذي سبقه إليه الشيخ سعد ، بعد أن أيقن بدوره أن الطريق لرئاسة الحكومة يمر بقصر الشعب وشرفات قاسيون.

في خلفية المشهد ، تبدو إيران والسعودية والولايات المتحدة ، قابعة هنا وهناك ، مع اختلاف في الأدوار والأوزان والتحالفات ، السعودية دعمت سوريا في لبنان لتدعيم مكانة الحريري ، أما في العراق فقد أوكلت إلى سوريا مسؤولية التحدث باسم عرب "الاعتدال والممانعة" معاً ، ولكن في مواجهة المالكي ولصالح إياد علاوي ، أما إيران فهي وإن كانت لاعباً مهماً في لبنان ، إلا أنها أصبحت لاعباً مقرراً في العراق ، وتكتيكها العراقي يقوم على استبعاد علاوي بأي ثمن ، والضغط على المالكي لمصالحة سوريا وأخذ مصالحها بنظر الاعتبار ، بما في ذلك الاستجابة لطلباتها الخاصة بوحدة العراق وعروبته وحفظ أدوار جميع مكوناته في نظامه السياسي الجديد (إشارة إلى العرب السنّة تحديداً) ، وهذا ما تعهد به رسل المالكي إلى دمشق على أية حال.

السعودية التي سارعت بعد الانتخابات العراقية الى تدشين مواسم الحجيج العراقي إلى الرياض ، ودخلت على خط تشكيل الحكومة وبناء التحالفات كما لم تفعل من قبل ، اصطدمت بجدار خلافاتها المزمنة مع "شيعة العراق" وقسم من سُنته ، للأسباب العقائدية والسياسية المعروفة ، أوكلت المهمة لدمشق ، ودمشق قادتها بالطريقة التي تحفظ مصالحها وتأخذ بنظر الاعتبار موقعها وتحالفاتها الإقليمية والدولية ، خسرت الرياض وخسر إياد العلاوي ، ويكاد المالكي يربح وتربح معه وبه دمشق التي عاد إليها الرجل كما عاد إليها فريق 14 آذار أو معظم أركانه.

أما الولايات المتحدة ، فلا شك أنها بدعمها ترشيح المالكي لولاية ثانية حاولت التعبير عن "حسن نوايا" تجاه إيران أولاً ، وسوريا في المحل الثاني ، وقسم كبير من العراقيين في المحل الثالث ، وهي وإن كانت أكثر إعجابا بعلمانية إياد علاوي واستقلاليته عن طهران وقربه من محور الاعتدال العربي ، إلا أنها أعلنت للملأ بأنها لن تدعم رئيس حكومة لا ترضى عنه طهران ، لا حباً بإيران ، بل اعتراف بدورها في العراق ، وتجنباً للصدام معها على أرضه وبين نهريه ، وهي في ربع الساعة الأخير من احتلالها له ، ولا تحتفظ على أرضه سوى بـ"ربع القوات" التي رابطت ذات يوم على صدور العراقيين وفوق جثة نظامهم البائد.

قبل سبع سنوات عجاف ، بدت سوريا مهددة بجحافل الأمريكيين الذين غزوا العراق في آذار 2003 ، ولوّحوا بغزو سوريا وإيران إن لم يغير النظام سياساته ومواقفه ، واسُتكمل الحصار الأمريكي لسوريا بعد اغتيال الحريري في شباط 2005 ، وبدل محكمة دولية واحدة كان مخططاً لها أخذ قيادات النظام في دمشق خلف القضبان في لاهاي ، أُعًدت لهؤلاء محكمة ثانية لاقتيادهم خلف قضبان محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في شوارع بغداد ، هكذا كانت الصورة وهكذا كان المخطط الذي اشتركت في إعداد وإخراجه إلى دائرة الضوء ، قوى دولية وإقليمية ومحلية متعددة.

اليوم ، يعود الأسد إلى بيروت بصحبة العاهل السعودي وعلى متن طائرته الملكية ، ويتولى نيابة عنه التفاوض لتعزيز مكانة العرب والسنة في بغداد ، اليوم يلحق المالكي بالحريري على دروب المصالحة والاعتذار والبحث عن الضوء الأخضر ، اليوم تَستَكمل مفارقات السياسة والقدر استدراتها ، وتصبح دمشق جزء من الحل بعد أن كانت جزءاً من المشكلة ، وعامل استقرار ، وجزءاً من محور الخير بعد أن تصدرت محور الشر ، كل ذلك ، وهذا هو الأهم ، من غير أن يبرح السوريون مواقفهم وتحالفاتهم ومصالحهم.

لقد ضحكوا كثيراً وإن كانوا قد ضحكوا أخيراً.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات