زخة مطر

تم نشره الجمعة 24 أيلول / سبتمبر 2010 03:23 صباحاً
زخة مطر
ماهر ابوطير

مع زخة المطر الاولى انقلبت وجوه الناس ، ومع زخة المطر الاولى لا تسمع من الناس الا تذمراً ، وُمّر الكلام من الشتاء الذي لم يُقبًل بعد.

اجدادنا وجداتنا ، كانوا على فقرهم ينتظرون الشتاء بصبر بالغ ، لانه يسقي ارضهم ، ويُموّن بئرهم بالماء من اجل العيش طوال الصيف ، وتلك البيوت البسيطة كانت تحتمل الشتاء والماء والثلج ، لان قلوب من فيها بيضاء وبسيطة ، وطيبة ايضاً.

هذه الايام ، كلما مال الجو للبرد ، واقترب الشتاء ، يرفع الناس وجوههم في وجه الله ، ويبدأون بالتذمر كراهية في الشتاء والمطر والثلج ، والحجج تقول: كلفة الوقود مرتفعة ، والثلج يعطل حياة الناس ، والمطر يضايق الناس في حلهم وترحالهم.

يزيد التذمر كل عام في وجه النعمة ، فيقل المطر ، عنا وعن غيرنا ، حتى باتت شربة الماء نادرة ، ولا يجدها المرء الا في عبوة ثقيلة الظل.

كلما قل بياض القلوب ، هرب المطر والثلج ، وكلما زادت الضغائن والحسد ، قل المطر ، لان المطر لا يسقط الا على قلوب صافية شفافة رقيقة حقاً.

مع اول زخة مطر لم اسمع احداً يحتفل بقرب الشتاء. الكل يتذمر ، والكل لا يريد البرد ولا الشتاء ولا المطر.

الكل يقول انه لم يعد قادراً على مصاريف الحياة. في الكلام وجه صحة من ناحية اقتصادية ، وفيه وجه سيئ حين يكاد الناس يقولون لله انهم لا يريدون المطر.

زخة المطر الاولى ، لا تنسى دائماً. هل تذكرون تلك الايام التي كان فيها المطر يتساقط طوال الشتاء. فتفر الطيور الى اعشاشها ، وتتحلق العائلات حول بعضها.

كان يهل مدراراً لان قلوب الناس بيضاء كالفضة ، ولانهم يعرفون ان هذه نعمة لا يتم ردها ولا التذمر منها.

اروع حياة هي: الحياة في غرفة حجرية فوق جبل ، ووسط غابة ، تجلس وحيداً ، صديقتك النجوم ، وفي يمينك القمر ، وتسند رأسك الى الشمس ، ومتعتك ان ترسم قوس قزح ، ولا تسمع سوى صوت المطر.

الحياة المدنية من فواتير وزحام ومصاريف وتلوث وضجيج ونميمة وتطاحن ، وكأنك تعيش وسط غابة من المجانين ، حياة كريهة ، وغير محتملة ابداً.

حين كان ينزل المطر كانت الدنيا تغتسل في ساعة ، فتشرق الشمس ، وتطير الطيور من اعشاشها ، وتحل السكينة على صدور الناس ، لان في المطر شفاء ، وحين ينزل المطر هذه الايام يبدأ السب والتلاعن ، وتتصادم السيارات ، ويصير المرء مهموماً مغموماً.

هل من غرفة في جبل ، ومطر لا ينقطع ابداً وحمام بري يلتقط القمح من يمينك ، وقمر ينام الى كتفك ، وعينان جميلتان تشرقان في وجهك؟.

خطفت المدينة البراءة من عيوننا ، وصرنا نكره المطر ، والمطر كائن عاطفي حساس ، اذا كرهته يكرهك ، واذا رفضته يرفضك ، واذا ابيت طلته ، غاب وارتحل.

هل من غرفة في جبل ومطر لا ينقطع ابداً؟.

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات