نشوة الشتوة الأولى!

تستيقظ كعادتك لكنك لست أنت تماماً. ولا الشمس شمس تماماً. ثمة ما هو ناقص منك ومن الشمس. تفرك عينيك ليبدأ نهارك بعينين مفتوحتين.. تماماً. تفتح شباكك.الضوء خجول. تغريد السنونوة خجول. نبض الشوارع بطيء .المارة ليسوا هم الذين تراهم كل صباح ، في نفس الوقت ونفس الحركة ، و نفس الايقاع.
كل ما على الأرض ناقص أو بطيء أو خجول. اليوم تغتسل أمنا الأرض لأول مرة منذ شهور. تنتعش بناتها الشجرات. تسود رائحة خصب ، لكأنه خصب بشري. كلاهما ماء وتراب. المطر والأرض. الانسان والانسان. كلاهما مذكر ومؤنث.. وهكذا تتجدد الحياة.
الأقرب ، الأعمق ، يستنشق أسرع ، أعمق. يدرك بفطرة الخلق ان الحياة ماء. أنت ، هو ، الشجر ، ماء. أيضاً السماء الحبلى بالغيم ، الهواء الهارب من صفات الريح ماء. ولو تباطأت الريح ، لو مرت قرب غيمة ، لو عانقتها ، سكنت فيها ، أيضاً لكانت ماء.
الشتوة الاولى حياة ثانية. إكتمال النقصان. نشوة الالتقاء. لحظة تدوم شهوراً. إمتلاء يتلوة إمتلاء. نضوج ليس مبكراً وليس متاخراً.
عندما تاتيك ، الشتوة الاولى ، افتح السماء لروحك ، دعك تبتل. استنشق رائحة أمك الاولى و.. امك الثانية. تذكر عبق أرضك عندما تحضن محراثك ويسقي عرقك عطشها. تذكر كيف يتفتح ما تصلب ، ما تجمد من طينها ، وكيف يقول لك: أحرثني. هذا موسم المطر .جددني لاتجدد.استنشقني لتتنفس واروني لارضيك.
الليلة القمر في كامل نوره. قمر الحصادين والعاشقين. قمر من أدركوا أن حفنة ماء تكفي ، لمسة حنان تكفي ، وكلمة وفاء تكفي ليتواصل اخضرار القلب وتظل النفس ممتلئة بما شاهدت وبما بكت وبما عاهدت.
زمان ، كانت الشتوة الاولى ، تبشر بالخير. يتنهد الناس فتسقط عن ظهورهم ، مع كل تنهيدة ، أحمال الصيف الثقيل على الرزق. فرح مبلول بالدعاء. مطرز باهازيج شتوية. لا يأبهون لثقل المطر الآتي على سقوف بيوتهم الهشة ، ولا لحاجة اجسادهم لمزيد من ما يدفئها. الحطب ، ابن الشجر ، في المتناول. الكاز إن امكن. والغاز لم يكن قد زكم جيوب الفقراء.
كان البرد دافئاً بحرارة الانفاس. بالحكايا البريئات حول كانون النار و"كنكنة" المحبين حول دفء الضلوع. بطقطقة المطر على سقف الزينكو. بركض السيول في ازقة الحارات وفيروز تعلن بصوت من ذهب "رجعت الشتوية". تستمطر الفرح. تعاتب الذين رحلوا "أديش كان في ناس عل مفرق تنطر ناس ويحملوا الشمسية ، وأنا بايام الصحو ما حدا نطرني".
كان الفرح يتدفق من العيون البريئة والخدود المحمرة برداً . احتفال بين البشر والطبيعة ، كل على سجيته. هي ترقص مطراً وهم يطربون برداً وخيراً.
ربما لانه ابن الأرض والمطر يقول لها: اليوم الشتوة الاولى.. هكذا استنشقك،.
الدستور