على مفترق طرق

قد يرى البعض أن ثمّة مبالغة دراماتيكية في تحذيرات جلالة الملك من إهدار فرص السلام في هذه المفاوضات، لكن ألم تقع حروب مدمرة مع كل مرة فشلت فيها المفاوضات؟! لو تحقق السلام في فلسطين بعد حرب الخليج الثانية عام 91 لما وقعت حرب الخليج الثالثة عام 2003 ولا حرب تموز على لبنان عام 2006 ولا حرب غزّة عام 2009، والآن لدينا احتمالات انفجار الحروب مجددا، وتنضم إيران إلى جبهة الحروب المحتملة، وهذه وحدها ستفجر جبهات لا حصر لها، من الخليج الى العراق الى سورية ولبنان وحتّى غزّة ولا يستطيع أحد التكهن بتداعياتها الكارثية.
في مقابلته مع جون ستيوارت صاحب البرنامج واسع الانتشار "ذي ديلي شو"، قال جلالة الملك "إن الفشل في تحقيق السلام الفلسطيني – الاسرائيلي سيضع المنطقة على حافة الهاوية وسيؤدي في الفترة المقبلة إلى حروب إقليمية سيدفع ثمنها العرب والإسرائيليون والولايات المتحدة". وهذا التنبيه للثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة ليس تهويلا لا تشتريه الإدارة، فسياسة الرئيس أوباما الحالية تقوم على الانسحاب العسكري من مناطق النزاع، استنادا إلى النجاح في تحقيق تفاهمات محلية تعطي الغطاء للانسحاب مع الانخفاض ولو الجزئي في مستوى العنف. وهذه الاستراتيجية تتقوض حتما بانفجار صراعات وحروب جديدة.
استراتيجية أوباما مختلفة جوهريا عن استراتيجية بوش التدخلية، وهي تريد طيّ صفحة التدخل العسكري واستبدالها بالنفوذ السياسي والاقتصادي. والنجاح فيها يعتمد الى حدّ كبير على تراجع قوى التطرف ونجاح الحلول السياسية على مختلف الجبهات وفي قلبها الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، ويمكن أن نفترض حقيقة أن الإدارة تتلهف على حلّ الدولتين لإنقاذ وإنفاذ استراتيجيتها في المنطقة وفي العالم، ولهذه الغاية أخذت مواقف قويّة وواضحة بشأن شروط الحلّ، لكنها اضطرت للتنازل بشأنها أمام ضغوط اللوبي اليميني الصهيوني الذي هدد بإفشال البرامج الداخلية للادارة الأميركية، ويهدد الآن الأغلبية الديمقراطية للانتخابات المقبلة للكونغرس.
الشيء اليسير الذي تمكنت الإدارة من تحقيقه لبدء المفاوضات المباشرة، هو الالتزام بالتجميد النسبي للاستيطان لعشرة أشهر تنتهي بعد أيام، ولا تريد الحكومة الاسرائيلية تجديده. وقد قال جلالة الملك إن ذلك سيؤدي إلى وقف مفاوضات السلام. وكان عباس بالفعل قد قال إن المفاوضات لن تستمر يوما آخر إذا تمّ استئناف الاستيطان.
الأميركان والأوروبيون يضغطون من أجل تمديد وقف الاستيطان، وستدور معركة اسرائيلية داخلية حول الموضوع، وقد تنجح الضغوط في هذا الاتجاه، لكن هذا سيؤمّن فقط عدم انهيار المفاوضات، الانهيار الذي يفتح الباب على احتمالات خطيرة حذّر منها جلالة الملك، وتتداول أوساط المحللين سيناريوهاتها التي تشمل تفجير حروب جديدة. وتجديد تجميد الاستيطان يمنح المفاوضات فرصة، أمّا إحراز تقدم وتحقيق السلام فقصّة أخرى.
الغد