أعراس الديمقراطية ومآتمها !!

شاعت عبارة العرس الديمقراطي في العالم العربي خلال المواسم الانتخابية ، وذلك تعبيرا عن حلم مزمن بالديمقراطية التي يموت العربي وفي نفسه شيء منها وليس من حتى كما قيل عن سيبويه ، وان كان الظرفاء قد تحدثوا مرارا عن الوجه الآخر لهذه الأعراس وهو مآتم أخرى قلما يتذكرها أحد ، تخص افرادا يحتكمون الى وعيهم وضمائرهم ، ولا يقبلون أموال الدنيا ثمنا لأصواتهم ، ان هؤلاء ليسوا ندرة في بلاد العرب ، لكنهم مغمورون ولا يجدون وسيلة للتعبير عما يشعرون به من خذلان ، واذا صح ان الديمقراطية في حال تحققها الفعلي هي شر لا بد منه ، فان معنى ذلك ان لها أعراضا جانبية تسبب ما هو أكثر من الغثيان أو الصداع ، فالناخب كما قال روسو يتغرب عن صوته وحتى عن نفسه بضع سنوات ، وقد يكون محظوظا أو سيىء الحظ ، وذلك تبعا لتصديقه الشعارات التي تثقب طبلة أذنه على مدار اللحظة ، ورغم كل ما يشوب المواسم الانتخابية في العالم العربي من نواقص ، الا ان هناك قرائن بدأت تنبىء عن بلوغ العربي سن الرشد السياسي فهو لم يعد قابلا للخديعة الا اذا قرر ذلك ، لأنه على الارجح تلقح خلال عشرات الاعوام ومئات المواسم الانتخابية ضد التضليل ، وما ظنه ماء وتهيأ لأن يشرب منه ويغتسل سرعان ما اكتشف أنه سراب ، ان مجرد هذا الحراك في عدة عواصم عربية وبتزامن لا يخلو من دراماتيكية له دلالات تستحق التأمل ، والناس الذين لم يتشربوا ثقافة المشاركة في صياغة مصائرهم ، بدأت اسئلتهم تتحول الى مساءلات ولم تعد الاجابات المعلبة والجاهزة تقنعهم لأن الكثير منها فقد صلاحيته وفسد بمرور الوقت والتكرار الممل،
العربي حفيد عنترة الذي لم يكرّ الا عندما وعد بالحرية والانعتاق. حفظ هذا الدرس جيدا فهو ليس حرا بما يكفي لأن يعيد ترتيب الاولويات بحيث لا يكون الشخصي أهم من الوطني.
وقديما نقش الاغريق على قبور أبطالهم عبارة خالدة كالوشم في الذاكرة.. هي أن الاحرار وحدهم من يذودون عن بلادهم ، وجاءت الامثلة عبر كل العصور لتؤكد هذه القاعدة الذهبية ، فالعبيد يفرطون بكل شيء لأن مفهوم الحرية خارج وعيهم وقواميسهم ، لهذا فمن يهن مرة يسهل الهوان عليه ، ان للديمقراطية أعراسها.. لكنها احيانا تشبه عرس الدم الاسباني أو ذلك الزفاف الدامي الذي شهدناه في فلم عبر عن عصره كما لم تعبر أية وثيقة هو فلم الارض المأخوذ عن رواية شهيرة تحمل العنوان ذاته للراحل عبدالرحمن الشرقاوي ، ومقابل المشهد الكوميدي الأحمر للخراف التي ما ان تأزف المواعيد والمواسم الانتخابية حتى تشعر بالهلع ، هناك مشهد كوميدي أسود ، لأناس يدركون بأن بقاءهم على قيد الوعي والصدق لا يزيد عن نفحة حرباء تود اشعال الحريق أو قطرة ماء يحملها ضفدع لاطفائه..
ومن يئسوا من تغيير العالم من حولهم عليهم أن يتشبثوا بالخندق الأخير وهو ان لا يستطيع الواقع الغاشم تغييرهم وتدجينهم بحيث يصبحون مؤهلين للعمل في السيرك،،
الدستور