توأمان من فولاذ

القليلون جدا ممن يصرون على أن الافعى حبل أو عصا تفاءلوا بتجديد التجميد للاستيطان ، لكن اسرائيل كالعادة خيبت ظنونهم وأصرت أن تكون كما هي دائما.. مجرد توأمين من حديد هما الدبابة التي تحتل وتقتل والجرافة التي تهدم وتستوطن ، ورغم ان نتنياهو لا يعرف من اللغة العربية سوى كلمات قليلة ذات رنين دبلوماسي طالما سمعها من ساسة وجنرالات عرب الا انه يردد الآن مع نفسه بيت الشعر العربي القديم أبشر بطول سلامة ومستوطنات يا بيبي أو يا مربع.. لا فرق.
كان الاحتفال باخراج قرار التجميد من الثلاجة الأمريكية الصنع الى المايكروف الاسرائيلي الصنع تبديدا لكل الأوهام وتمديدا لقرار هو الجذر والمرادف الدقيق لوجود اسرائيل وهو الاستيطان فهي مستوطنة كبرى من أول حائط بني عام 1882 وبتزامن مثير مع احتلال الانجليز لمصر حتى آخر حائط يشيّد الآن في الضفة الغربية ، لهذا ثمة سوء تفاهم على ما يبدو يتخطى مشكلات الترجمة وتأويلاتها السياسية ، فما نعنيه نحن العرب بالاستيطان ليس ما تعنيه اللغة العبرية لأن الاستيطان هو قلبها وقالبها وهو مشروعها ودولتها واستراتيجيتها ، لهذا فهو بالنسبة اليها مقدس يجب ألا يمس ولا ينافسه في هذه الحصانة غير جعبتها النووية التي دشنت حقبة من العدالة العوراء.. هي ما هو حلال عليها حرام علينا،
ان استمرار أية مفاوضات مع استمرار الاستيطان وتعميقه عموديا أو أفقيا أو على شكل شبه منحرف هو ضرب من اللعب مع الذات وتسجيل أهداف ضدها في مرماها رغم أوهام اللاعب الذي يتحرك بلا شبكة أو حكم أو صفارة ما بدأته الدبابة تستكمله الجرافة ، فالتوأمان الفولاذيان ولد أحدهما قبيل الآخر بربع ساعة فقط ، لهذا فالاحتلال هو مبتدأ الجملة السياسية في الصراع والاستيطان هو خبرهما.
سمعنا بالأمس مستوطنة ذات أنياب تقول بأن المستوطنين سيواصلون البناء والغناء معا.. وليقل العالم ما يشاء فنحن دائما نفعل ما نريد ولا نعبأ بما نسمع،
هي اذن قسمة عادلة بين من يفعل ومن يقول ، ولا أظن ان تلك المستوطنة لا تعي مضمون ودلالات ما قالت على الشاشات على مرأى ومسمع من العالم كله..
الأمين العام للأمم المتحدة منزعج من استئناف النشاط الاستيطاني وقد سبقه الى هذا الانزعاج رئيس التغيير أوباما ثم لحق بهما ساركوزي وآخرون.. لكن الانزعاج لا يدوم طويلا ، فهو مجرد حالة طارئة سرعان ما يعقبها الاسترخاء ، ما دامت اسرائيل محظوظة الى هذا الحد بأعدائها.. الذين صدقوا أن العدو يمكن له ان يكون حميما مثلما صدقوا أن ما يتلوى حولهم وحول مهود أطفالهم هو حبل وليس افعى .
( الدستور )