مجلس الكوتات.. وصندوق باندورا

تم نشره الخميس 30 أيلول / سبتمبر 2010 03:31 صباحاً
مجلس الكوتات.. وصندوق باندورا
توجان فيصل

في ظل مقاطعة متنامية وفقدان الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة على نحو غير مسبوق، ولغياب الحديث عن أي إصلاح سياسي كون الحكومة لا تريد مجرد الحديث عن مكوناته بدءا من قانون الإنتخاب، مرورا باستقلال القضاء الذي هو دعامة استقرار أي بلد، وانتهاء بدستورية أي مما هو قائم (بما فيه الحكومة الحالية ذاتها) والتي هي عماد شرعية كل ما يقوم وبها فقط يدوم .. علقت اسطوانة الحكومة عند نغمة " نزاهة الإنتخابات ".

وبضاعة " النزاهة " هذه تجاوزت التسويق عند الخارج المتواطىء، للطرح الداخلي بإغراق وإلحاح على طريقة الباعة عند الإشارات الضوئية.. منتج وحيد مكرر وزبائن معرضون.

والطريف ان الحكومة حاولت تسويق هذه البضاعة عند الأخوان المسلمين، مع الأخوان، في رحلتهم من موقع الحليف الأوحد المدلل دون غيره إلى المعارض المستهدف كغيره، هم أدرى الناس بكل مجريات ما يسمى "ديمقراطية " تاريخيا في الأردن، والذي يتلخص في انتخابات المعروف والمعترف به حتى من رجال الدولة ذاتها، أنها ظلت مزورة كقاعدة ونزيهة كاستثناء.

وآخر تلك الحالات الإستثنائية كانت انتخابات عام 1962، والتي أعلن النواب المنتخبون " بنزاهة " أعترف وأشاد بها الجميع، في أول خطاباتهم في المجلس، عزمهم على عدم إعطاء الثقة لحكومة سمير الرفاعي الأول وبما يقارب الإجماع.

ولهذا جرى حل ذلك المجلس قبل جلسة التصويت، واقتيد أغلب أعضائه لسجن الجفر الشهير في الصحراء الأردنية، وخلال أشهر قليلة أجريت إنتخابات أخرى أبعد ما تكون عن النزاهة.. وكما هو متوقع أعطى المجلس الجديد الثقة لحكومة الشريف جميل بن ناصر التي جيء بها بديلا لحكومة سمير الرفاعي دون تغير في السياسات، والطريف أن الثقة أعطيت بما يشبه الإجماع، إذ امتنع نائب واحد فقط عن التصويت.

هذا جزء من تاريخ الأردن لم ينسه الأردنيون لأنهم لم يعطوا حتى فرصة للتناسي، فجاءت انتفاضة نيسان 89 . ولكن هذا الجزء هو بالمقابل المكون الرئيس لإرث آل الرفاعي السياسي كله. فلولا استبدال المجلس المنتحب لما تكررت عودة سمير الأول لترؤس الحكومة ولما آلت من بعده لابنه زيد ووصلت للحفيد سمير.

وحين انتفض الشعب عام 89 وألزم بإقالة حكومة زيد الرفاعي وفرض إجراء انتخابات "شبه نزيهة " (والشبهة يعرف تفاصيلها الأخوان المسلمون أكثر من غيرهم) ، فإن ذلك رسم خط النهاية لتولي زيد لرئاسة الحكومة .

ولكن الشعب القابل للتسويات لم يعترض على ترؤسه لاحقا لمجلس الأعيان، الشق المعين بالكامل من السلطة التشريعية، والذي يسميه الأردنيون لهذا بــ "مجلس الملك "، وبخاصة بعد أن أسقطت بتعديل للدستور غير دستوري،أو أغفلت بمحض ممارسة غير دستورية،الشروط الدستورية الملزمة عند انتقاء أعضائه والحصانة التي تحول دون حله أو إقالة أي من أعضائه.

والدليل على أن الأردنيين لم ينسوا هذا التاريخ، تزايد من يطالبون بالتوقف عن تكراره مؤخرا ليشمل الأخوان المسلمين أنفسهم الذين كانوا أكثر المستفيدين من غياب الديمقراطية وتغييب الدستور، وأصبحوا الآن من المتصدرين لمطالب الإصلاح الديمقراطي والدستورية . وحتما لا يتوقع عاقل أن ينساه آل الرفاعي، أو يملكوا ترف تناسيه .

ولكنهم ملكوا فرصة ذهبية نادرة مما لا يجود به الزمان مرتين، وهو فرصة تجديد وتغيير سياساتهم بما يؤهلهم للانخراط في المرحلة الديمقراطية التي لم يعد بالإمكان القفز عن استحقاقاتها عالميا، وهوما فعله أخوان الأردن أنفسهم بحصافة تفوق نظراءهم في العالم العربي .

والتغيير وقبول حكم التاريخ ليس عيبا بل هو ميزة. فآخرون تبوؤوا مناصب مماثلة لما شغله آل الرفاعي في الدولة الأردنية، باتوا الآن في مواقع قيادية شعبية، باعتبارهم ليسوا فقط "رجال دولة "، بل "رجال وطن ". وبعضهم تفوق على نفسه في الإمتحان المصيري الذي يتعرض له الأردن الآن، بما يذكر حقيقة بوصف ثوماس مور "رجل لكل العصور " .

وهو لقب ومكانة لا يضن بها الأردنيون الذين الحسنة عندهم حقيقة بعشرة أمثالها.
ولكن تلك كانت " فرصة " تمنح من شعب مرت عليه حكومات من سويات عجائبية عدة، وليس توقعا يبنى على شخوصها . ومن هنا لم يلزم الشعب طويل وقت ليوقن أن هذه الحكومة غير معنية بتلك النزاهة، ولو من باب أنها قد تغري الشعب بالتناسي .

والمؤشر لم يقف عند قانون الإنتخاب الكارثي ذاته . ولكن القانون يبقى مؤشرا على نوايا أخرى تبدت بأكثر من قانون غير دستوري وإجراء غير قانوني. فالنزاهة قيمة تلزم من يؤمن بها بمحاسبة من يتجاوز عليها بالصورة التي جرت في سلسلة الإنتخابات السابقة، وبخاصة الأخيرة منها التي أساءت لكل من هو في موقع مسؤولية، ولا تخلى مسؤوليته دون محاسبة من اقترفوا تلك المهزلة .

وحين لا تجري هكذا محاسبة، لن يصدق أي كان أن العقوبات التي غلظت لجرائم الإنتخاب في القانون الجديد ستطبق على يد حكومة ترفض أن تطبق العقوبات الأخف الواردة في القانون السابق. بل وحين تصبح المحاسبة أداة تصفية حسابات حكومية، فإن آخر ما يصدقه الشعب هو أن مجلسا يستعيد سلطة الشعب في محاسبة الحكومات، سوف يُسمح بتشكله.

وسائل التزوير، ما دامت المحاسبة مرفوضة مبدئيا ولأغراض أبعد من نزاهة الإنتخابات، تظل متوفرة بكثرة لأية حكومة ويعرفها الناخبون الذين مورست عبرهم أو عليهم .. وكل واحدة من هذه الوسائل قادرة على اختلاق أصوات مرجحة لمرشحي الحكومة الذين لا يملكون أية فرصة حقيقة تذكر في منافسة شخصيات معارضة او حتى محايدة . أما من يحظون بشعبية كبيرة تسقط حتى الأثر التراكمي لكل وسائل التزوير هذه، فالقانون تحوط بمنعهم من الترشح ابتداء.

ولأن هذه الحكومة تحتاج لتغطية تحت تسمية حزبية ومناطقية ونسوية، فإن كوتات معلنة بنص القانون وأخرى غير معلنة قد قدمت لمرشحين بعينهم، وبخاصة من الأحزاب المفبركة مؤخرا أو تلك التي لم تنجح يوما في إيصال مرشح لها رغم أن منسوب النزاهة كان أفضل كلما عدنا للوراء قليلا.

كما قدمت لمرشحين عشائريين بعينهم لزعم أن العشيرة ممثلة في البرلمان ، وفي مقدمتها تلك التي قاطعت نخبها الإنتخابات وترفض قواعدها وجود هذه الحكومة وتطالبها بالرحيل.. والثقة غير المبررة للبعض بالفوز، بل وتأكيد بعضهم لهذا الفوز رغم كل المعطيات الموضوعية، يؤشر على مصدر تلك الثقة وذلك التأكيد.

برلمان الكوتات المسقطة على الشعب هذا ليس كله شر، بل قد يكون ضرورة لدفع الأمور لخطوة تالية لما ألزم به المجلس السابق، وحتما ليس فقط نحو حل للمجلس الجديد أبكر أو أقوى وقعا مما جرى لسابقه .. بل هو دفع بما لا يغري بالتناسي. وبخاصة أن أكثر من مؤشر على أن ذاكرة الشعب عادت للتشكّل في مراجعات تاريخية معمقة تبدى مؤخرا، وأن البحث عن تفاصيل معتم عليها في ذلك التاريخ آخذ في التنامي .. هنالك حتما ثروات خبيئة وتحف منسية، ولكن في القبو أيضا أكثر من خزانة بها هيكل عظمي، وفي السقيفة أكثر من صندوق باندورا قد يفتح. ( الراية ) .

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات