وقفة مع القبولات

وفّر نظام القبول الموحد للجامعات آلية عادلة يقبل بها ويستسلم لها الجميع، ما دامت تقوم على معيار تنافسي واحد هو المعدّل، فيحظى صاحب المعدّل الأعلى على القبول في التخصص وفي الجامعة التي يريد، لكن قوائم الاستثناءات والواسطات قوَضت (جزئيا) الثقة بالنظام ولم يعد أحد يقبل الاستسلام لنتائجه. فما إن تقدم الطلبات حتى تبدأ الواسطات والضغوطات في جميع الاتجاهات لضمان مقعد في تخصص ما، وما إن تظهر النتائج حتّى تتجدد الضغوطات والواسطات، فمن كل اثنين هناك واحد يريد نقل ابنه من تخصص إلى آخر وثان يريد نقل ابنه من جامعة الى أخرى.
عبثا تحاول إقناعهم أن هذا غير ممكن أو على الأقل غير منطقي، فلو كان هناك مجال أن يأخذ كل واحد ما يريد لما كانت هناك حاجة للنظام التنافسي، لكن الإجابة الجاهزة أن كل شيء بالواسطة ممكن وأن فلانا وعلاّنا نقلا التخصص أو الجامعة رغم معدّلي ابنيهما الأدنى.
نظام القبول الموحد حاز في بداياته على احترام والتزام عام كنظام صارم لا يخترق، ثم مع تزايد أعداد الطلبة والتوسع المطرد في الاستثناءات تحت مختلف المسميات إلى جانب القبول الموازي بدأ هذا النظام يتفكك واقعيا، وظهرت على الخصوص مشاكل خطيرة في التخصصات التي تحتاج الى معدلات عالية جدا؛ فكيف يسكت من حاز ابنه على معدّل 97 % مثلا، حين يرى أن آخرين حازوا على مقعد طب بمعدّل أدنى؟!
في ضوء ذلك تقرر وقف القبولات الاستثنائية عن طريق الديوان الملكي لتخصصات الطب والصيدلة والهندسة وارتاح المسؤولون من هذا الصداع الخطير، وانتشرت القناعة بعدم جدوى التوسط للقفز إلى مقعد لهذه التخصصات عبر الواسطة. لكن الضغوط بالنسبة لبقية التخصصات تتزايد خصوصا مع ارتفاع درجة المعدلات المطلوبة لتخصصات كانت ميسّرة أكثر في الماضي، وكثير من العائلات غير المقتدره تلجأ الى الموازي لتبدأ بعدها رحلة التوسط للحصول على منحة أو تحويل الى العادي. وقد كان المبدأ ان من يدرس الموازي لا يحتاج إلى منحة لأنه مقتدر، والحقيقة لم تعد كذلك منذ زمن، فالفقراء ايضا يريدون بأي ثمن تدريس ابنائهم التخصص المرغوب.
الاشاعات والادّعاءات حول المقاعد بالواسطة هي بالعادة أوسع كثيرا من الحقيقة، لكن وجود حالة واحدة تكفي لاشاعة مناخ من عدم الثقة وتهافت الجميع على التوسط، وليس مهما ان ذلك قد يحدث على حساب آخرين فكل اب يريد ارضاء ضميره بأنه فعل المستحيل من أجل ولده. وواقع الحال الآن ان الأمر لم يعد محتملا ولا يجوز أن يستمر.
في تقديري، الاستثناء الوحيد في القبولات الذي يجب تطبيقه هو "الأقل حظّا"، أي المدارس النائية أو التي يكون مستوى التحصيل فيها متدنيا، ويمكن وضع نظام دقيق لاحتساب الفرص وفق مستوى المدارس أو تخصيص نسب متكافئة للمحافظات.
لا شكّ أن هناك قضايا خلافية كثيرة تتصادم فيها وجهات النظر والمصالح، فأبناء العاملين في الجامعات لا يتنازلون عن حق المقاعد الممنوحة لهم، وهم يرون أنّ هذا أمر عادل معمول به في الكثير من الدول، لكن كل قطاع حصل على مكرمة لا يرغب أبداً بالتنازل عنها، لكن في سياق إعادة تنظيم شاملة تتضمن التزاما صارما بالأسس المقررة، بما في ذلك التخصيصات القطاعية، يمكن أن نتخلص على الأقل من الاستثناءات والواسطة والمحسوبية.