حكم مخفف على مجرم لإنقاذ البورصة !!

في مفاجأة كانت متوقعة للمراقبين ، حكم في القاهرة على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالحكم 15 عاما ، وبالمؤبد على الضابط السابق محسن السكري بتهمة قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم ، مع أن الجريمة كانت عن سبق إصرار وترصد ، وبطريقة بالغة البشاعة.
للتذكير فقط ، فهشام طلعت مصطفى هو أحد قيادات الحزب الوطني الحاكم ، كما أنه أحد أكبر رجال الأعمال في مصر ، وهو واحد من أهم المليارديرات المعروفين بارتباطهم بقيادة الحزب الجديدة (لجنة السياسات بقيادة جمال مبارك).
والحال أنه لولا وقوع الجريمة على أرض الإمارات ، وإصرار هذه الأخيرة على مقاضاة القتلة لما وصلت القضية إلى ما وصلت إليه ، الأمر الذي تم الالتفاف عليه ، بدءا بالحكم بالإعدام على القتلة ، ومن ثم تنزيل الحكم بهذه الطريقة الغريبة ، وبالطبع بعد أن وقع إقناع أهالي القتيلة بالتنازل عن حقهم ، وهو ما تم مقابل مبلغ كبير من المال كما تقول الوقائع المنظورة.
القصة برمتها ليست مهمة لولا دلالاتها السياسية ، ففي دول العالم الثالث ليس ثمة قيمة تذكر للبشر ، وكم من جرائم عُرف مقترفوها ثم قيدت ضد مجهول ، وكم من تاجر للمخدرات واللحوم الفاسدة والمهربين ، فضلا عن ناهبي المال العام ، يصولون ويجولون (بعضهم نواب في البرلمانات) ، والناس تؤشر عليه من دون أن يمسهم أحد ، وكم وكم .. إلخ.
منذ البداية أقسم المصريون ، والعارفون بشؤون السياسة والمال في العالم العربي أن هشام طلعت لن يُعدم ، وأنه سيخرج من القضية "مثل الشعرة من العجين" بحسب المثل المصري ، مع العلم أن الحكم الجديد لا يعني أنه سيقضي المدة المذكورة في السجن ، والأرجح أن يخرج لاحقا بعفو خاص أو في سياق عفو عام ، فيما ندرك أنه لن يسجن بشكل عملي ، وإنما سيمارس حياته اليومية ، وحتى التجارية في مكان ما من دون أن يكون الأمر مفضوحا تماما.
ما إن صدر الحكم حتى ارتفعت مؤشرات البورصة المصرية بنسبة كبيرة (قيل خمسة في المئة) ، ما يشير إلى حجم النفوذ المالي للرجل في الاقتصاد المصري ، حيث يملك هو وحفنة من المليارديرات وأكثرهم ممن يدورون في فلك الحزب الحاكم أكثر مما يملكه عشرات الملايين من المصريين.
هذا هو زواج السلطة والثروة الذي عشناه في مصر وفي أكثر الدول العربية خلال العقود الأخيرة ، وهو الذي أدى إلى مزيد من نزق الأنظمة في التعاطي مع معارضيها ، فيما أدى أيضا إلى مزيد من الفساد والإفقار ، حيث تتآكل الطبقة الوسطى لصالح نسبة محدودة من أصحاب الثروات الهائلة ، فيما تهبط البقية الباقية إلى مستويات الفقر المدقع.
عندما تتحالف السلطة والثروة على هذا النحو يكون الوطن هو الخاسر بتضييع أمنه القومي ومصالحه العليا ، ويكون الشعب هو الخاسر بوصوله إلى منحنيات غير مسبوقة من الفقر ، وبالتالي الأمراض الاجتماعية (بعض الأفلام المصرية تصور جزءا من تلك الأمراض).
في مصر اليوم يصرخ الناس مطالبين بالتغيير ، بينما يتم اللجوء إلى الخارج من أجل دعم خيارات التوريث التي لا تترك كل شيء على حاله فحسب ، بل ربما زادته سوءا على سوئه أيضا.
يقول ربنا عز وجل: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا (في قراءة أخرى أمّرنا) مترفيها ، ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" ، وموضوع الترف يحظى باهتمام خاص في القرآن الكريم ، لأن المترفين كانوا دائما ضد التغيير ، وهذه من سنن الكون ، وبالطبع لأن التغيير يهدد مصالحهم التي تتحقق ببقاء الوضع على حاله. يقول عز وجل: "وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون".
ما يجري في عالمنا العربي مثير للقهر ، فهذا الثراء الفاحش الذي يتسع على حساب الغالبية الفقيرة لا يمكن إلا أن يؤدي إلى الخراب ، وإذا لم تتحرك القوى الحية لمواجهة ذلك ، فإن القادم سيكون أسوأ. نسأل الله السلامة.
الدستور