حجارة أحمدي نجاد

من المقرر أن يزور محمود أحمدي نجاد لبنان أواسط الشهر الحالي. وفي الأنباء التي تدخل في باب صدّق أو لا تصدّق أن رئيس الجمهورية الإسلامية سيقف على بوابة فاطمة الحدودية ويرشق إسرائيل بالحجارة، مستلهما بذلك سحر تلك الحجارة التي كانت سمة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وعنوان مجدها الباذخ، وسر أسرار نتائجها الطيبة، قياسا بما آلت إليه انتفاضة القنابل البشرية الثانية.
ومع أن كثيرا من الشخصيات السياسية والثقافية التي زارت جنوب لبنان بعد حرب العام 2006، قامت بمثل هذا العمل الرمزي المثير لأعمق الأشواق العربية بضرب إسرائيل والانتقام منها، إلا أن أشهر تلك الحجارة ربما كان الحجر الذي قذف به الراحل إدوارد سعيد، عبر بوابة فاطمة ذاتها، أولئك المحتلين لبيته في القدس، تعبيرا عن رغبة مكبوتة في الصراخ ضد الظلم والقهر والافتئات.
وليس من شك في أن استعراض أحمدي نجاد الرمزي هذا يشير إلى نية محمودة، تحسب للرجل الذي له من اسمه نصيب هذه المرة، ويستظهر ما في دواخل عقله الباطن من نزعة دفينة في معاملة إسرائيل كزانية فاجرة تعاقب بالرجم، أسوة بتلك المرأة الإيرانية التي تتشفع لها المنظمات الحقوقية الأوروبية بالرحمة جراء مقارفتها الفعل الذميم.
غير أنه إذا كان الشيء بالشيء يذكر، والحجر بمثله يقارب، فإن قيام مثقف عربي فلسطيني عالمي مثل إدوارد سعيد، لا يملك غير قلمه ولسانه للتعبير عن موقفه من مآلات الصراع التاريخي، هو من دون أدنى ريب غير قيام رئيس جمهورية مدججة بالأسلحة البالستية، ناهيك عن عشرات آلاف الصواريخ لدى حزب الله، بعمل مماثل في الشكل، وهو القادر على المبادرة العملية والفعل.
فقد كانت حجارة إدوارد سعيد مثار إعجاب ومحل تقدير واسع لمثقف كبير أراد التعبير عن انحيازه الفكري لتلك الفلسفة الثورية الواقعية التي أسست لفاعليات انتفاضة الحجارة، وقادتها خارج ملعب القوة العسكرية المجردة التي تحسن إسرائيل لعبتها المميتة، وفوق ذلك كانت تلك الصورة الحاضرة في الأذهان بعد، درسا بليغا في العزم والإصرار والصبر وطول النفس في المواجهة الطويلة مع الاحتلال.
أما حجارة أحمدي نجاد فهي منذ الآن موضع خلاف في الرأي ومحل أخذ ورد بين النقد والاستغراب، حتى لا نقول التهكم، لا سيما من جانب بعض الذين حملوا تصريحات الرئيس الإيراني على محمل الجد عن محو إسرائيل من خريطة الشرق الوسط، واستبشروا خيراً بقرب شفاء المنطقة من الغدة السرطانية عما قريب.
ولا يخامر المرء سوى قليل من الشك في أن إسرائيل، التي ما تزال تسن أسنانها لضرب إيران في أقرب مناسبة مواتية لحساباتها السياسية الحربية المعقدة، سوف تكون سعيدة بحجارة رئيس الجمهورية الإسلامية، بما ترمز إليه أيضا من قصر باع وقلة حيلة، وما تنطوي عليه من استعراضية فقيرة المغزى، زبائنية الغاية، عديمة الأثر، بالقياس إلى ما كانت عليه بلاغة حجارة إدوارد سعيد.
ذلك أنه حينما يلقي رئيس جمهورية البلد الذي ترى فيه إسرائيل مصدر التهديد الوجودي الوحيد المتبقي في المنطقة حجراً على السياج، لا صاروخ شهاب أو سجيل، ويطلق باتجاهها سيلاً عرما من كلام حامي الوطيس، فإن من المرجح أن تقرأ إسرائيل هذا المشهد المضحك المبكي في آن، على عكس تلك القراءات الشعبوية، المهللة المكبرة لمثل هذه العراضات المدغدغة للانفعالات فقط .
( الغد )