بداية المسلسل الانفصالي التقسيمي

يكاد يكون انفصال جنوب السودان عن شماله حتما مقضيا ، فقد حسم ابناء جنوب السودان امرهم قبل موعد الاستفتاء وهنالك غالبية ساحقة تستعجل قرار الانفصال الذي يحظى بشبه اجماع في الجنوب ، اما في الشمال او الدولة المركزية السودانية فهي لا تملك الا الانتظار والقيام بمحاولة تعيق الانفصال او تؤجله على الاقل وهو ما لن تكون حكومة الرئيس البشير قادرة عليه.
واذا كان صحيحا ان هنالك الكثير من الاخطاء والقصور والاخفاقات الداخلية السودانية الا ان المؤكد كذلك ان هنالك عوامل خارجية واصابع خبيثة وتحريضا وعملا دؤوبا من اجل تمزيق السودان واضعافه بدوافع مختلفة بما في ذلك الاطماع الاستعمارية بثروات الجنوب اما الامر المؤسف والمحزن الذي يضاعف من آلام الانفصال الجنوبي فهو ان العرب لم يكن لهم اي دور يذكر وقد غاب العرب عن مجريات الاحداث وتداعياتها التي عصفت بوحدة السودان الى حد انه لم تبرز حتى ولو محاولة رفع عتب للتقريب بين القيادات الجنوبية والشمالية في السودان.
وما لم ينتبه له العرب هو ان السودان يمثل المدخل العربي الاوسع نحو أفريقيا وجسر التواصل العربي مع بلدان القارة السوداء وهو الذي يمكن ان يمثل سلة غذاء الوطن العربي لو استقرت احواله وتواصلت المشاريع العربية والاستثمارات داخل
ومن المهم ان نلاحظ ان التحولات السلبية التي عصفت بالسودان كانت جزءا من الهجمة على المنطقة مع بداية الالفية الثالثة وتحديدا بعد انطلاق الحرب الوقائية ضد المنطقة بعد احداث 11 ايلول 2001 والتي تمثلت بغزو عسكري وسياسي واقتصادي وثقافي نشأ عنه تمدد الوجود العسكري في مياه الخليج وعلى ارضه وتمدد سياسي وتأثير متزايد كان بعض نتائجه ان يتعرض بلد بعيد مثل السودان الى تقسيم على وشك التنفيذ.
وليس سرا ان كل اقطار الوطن العربي قد لفحتها رياح الهجمة السوداء التي قادتها امريكا ووظفت نتائجها لصالح اسرائيل بشكل مباشر عبر احتلال العراق الذي يمثل عمق المشرق العربي وعبر تأشيرات غير مباشرة تتمثل في تفكيك وارباك واضعاف وانهاك الكيانات العربية بدون استثناء وان كانت بنسب متفاوتة حيث درجة الاستلاب والتغريب في بعض الاقطار طاغية اكثر من غيرها وكذلك تهيئة التربة للفتن الطائفية والعصبوية وهو موجود في كل مكان لكنه يبرز اكثر في العراق ولبنان لكن الانقسامات واكثرها تحت السطح موجودة في كل مكان بشكل او بآخر.
ومن هنا فان استكانة العرب ولا مبالاتهم بانفصال جنوب السودان عن شماله كمقدمة لانفصال دارفور هو مختبر لمخرجات الحملة الاستعمارية التي تريج ضرب كافة الاقطار العربية من داخلها وتحويلها الى انظمة فاشلة على خطى النموذج الصومالي فما يحدث في العراق واليمن ولبنان وفلسطين و..و... كل ذلك يشير الى ان المشروع الاستعماري لتفكيك المنطقة بات خطرا داهما والله المنجيْ.
( الدستور )