طيءّ .. وأسطورة «أجأ وسلمى»

المدينة نيوز - كتب : راكان المجالي - في الحقائق الجغرافية ، أنّ \"أجأ وسلمى\" هما جبلان بأرض الحجاز ، وبها مسكن قبيلة طيء التاريخي وقراهم. وهو موضع \"نزه كثير المياه والشجر\" ، كما يقول القزويني في كتابه \"آثار البلاد واخبارالعباد\".
أما في الإخباريات العربية ، فقصة الجبلين تُروى على نحو إسطوري. فقد قيل: أجأ اسم رجل ، وسلمى إسم امرأة ، حيث كانا يألفان عند امرأة اسمها \"معروجا\". فعرف زوج سلمى بحالهما ، فهربا منه ، فذهب خلفهما ، وقتل سلمى على جبل سلمى ، وأجأ على جبل أجأ ، ومعروجا على معروجا ، فسميت المواضع بهم. وقال الكلبي: كان على أجأ أنف أحمر ، كأنه تمثال إنسان ، يسمونه \"فلساً\" ، وكانت قبيلة طيء تعبده إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء الإسلام ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، في مئة وخمسين من الأنصار ، فكسروا \"فلساً\" ، وهدموا بيته ، وأسروا بنت حاتم.
ويُنسب إلى الى قبيلة طيء أبو تمام حبيب بن أوس الطائي ، الشاعر الفذّ ، الذي فاق على كل من كان بعده ، بفصاحة اللفظ وجزالة المعنى. وقيل إنه أنشد قصيدته في مدح المعتصم:
ما في وقوفك ساعةً من باسً
تقضي ذمام الأربع الدّرّاسً
فلما انتهى إلى المديح ، قال:
إقدامُ عمروْ في سماحةً حاتمْ
في حلمً أحنفَ في ذكاءً إياسً
فقال بعض الحاضرين: مه، من هؤلاء حتى تشبه الخليفة بهم ؟، فأطرق أبو تمام هنيةً ، ثم رفع رأسه ، وقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه
مثلاً شروداً في النّدى والباس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره
مثلاً من المشكاة والنّبراس
وحكى البحتري: أنه دخل على بعض الولاة ، ومدحه بقصيدة قرأها عليه ، فلما أتمّها ، قال رجل من الحاضرين: يا هذا أما تستحي ، تأتي بشعري وتنشده بحضوري ، فقال: تعني أن هذه القصيدة لك؟ قال: خذها، وجعل يعيدها إلى آخرها. وقال: فبقيت لا أرى بعيني شيئاً ، وإسودَّ وجهي ، فقمت حتى أخرج ، فلما شاهد مني تلك الحالة ، قام وعانقني ، وقال: الشعر لك ، وأنت أمير الشعراء بعدي، فسألت عنه ، فقالوا: هو أبو تمام الطائي.
وينسب إليها أيضاً حاتم الطائي ، وكان جواداً شاعراً شجاعاً ، إذا قاتل غلب ، وإذا غنم نهب ، وإذا سئل وهب. وكان أقسم بالله ، ألا يقتل واحد أمه ، وكان يقول لعبده يسار ،
إذا اشتدّ كلب الشتاء: أوقد ، فإنّ اللّيل ليلّ قرّّ ، والرّيح يا واقد ريحّ صرّ ، عسى يرى نارك من يمرّ ، إن جاءنا ضيفّ فأنت حرّ. وقالوا: لم يكن يمسك إلا فرسه وسلاحه.
وحكي: أنه اجتاز في سفره على عترة ، فرأى فيهم أسيراً ، فاستغاث بحاتم ، فإشتراه من العتريين ، وقام مقامه في القد ، حتى أدى فكاكه.
ومن العجب ، ما ذُكر: أن قوماً نزلوا عند قبر حاتم ، وباتوا هناك ، وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري ، يقول طول ليله: يا حفر إقر أضيافك، فقيل له: مهلاً ما تُكلّم من رمّة بالية، فقال: إن طيئاً يزعم أنه لم ينزل به أحد إلا قراه، فلما نام رأى في نومه كأن حاتماً جاء ونحر راحلته ، فلما أصبح جعل يصيح: وا راحلتاه، فقال أصحابه: ما شأنها ؟ قال: عقرها حاتم بسيفه والله ، وأنا أنظر إليها حتى عقرها، فقالوا: لقد قراك، فظلوا يأكلونها وأردفوه ، فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملاً ، فإذا هو عدي بن حاتم ، فقال: أيكم أبو الخيبري؟ قالوا: هذا. فقال: إن أبي جاءني في النوم ، وذكر شتمك إياه ، وأنه قد قرى براحلتك أصحابك ، وقال في ذلك أبياتاً ، وهي هذه:
أبا الخيبريّ وأنت امرؤ حسود العشيرة شامها
لماذا عمدت إلى رمّةْ بدوّيّةْ صخبْ هامها
تبغي أذاها وإعسارها وحولك غوثّ وأنعامها
وإنّا لنطعم أضيافنا من الكوم بالسّيف نعتامها
وأمرني ببعير لك ، فدونكه، فأخذه وركبه وذهب مع أصحابه.
لم تُدرس بعدُ ، في الثقافة العربية ، أسطورة اسم الجبلين وتلازمهما معاً كما ينبغي. غير أن الإسم يحضر في أكثر مًن أسطورة ، وفي أزمنة أسطورية متباعدة. ومًن الواضح أن تلك الأسطورة ترتبط بالصنم \"فلس\" وطقوس عبادته البائدة ، وهو الذي وصفه المؤرخ الكلبي بإقتضاب. ( الدستور )