نعتذر إليك يا ماجد

المدينة نيوز - كتب : فاطمة الصمادي - الحكومة الأردنية كانت تعرف أن ماجد الزبون بني حسن استشهد منذ عشرين عاما, لكنها لم \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"تستنظف\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\" أن تبلغ عائلته بنبأ استشهاده أو \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"مقتله\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\" وفق لعبة المصطلحات لفريق صار يفهم السلام على أنه مرحلة تفتح فيها قبرا لكل القيم, ولا مجال فيها للتضحية أو الإستشهاد أو الشهادة.
أقول أن الحكومة تعرف لأن الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية وجهت رسالة إلى الأردن منذ أن وقعت العملية عام 1991تبلغ فيها بحدوث عملية \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"تخريبية\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\", وتؤكد فيها أن أحد \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"المخربين\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\" قد قتل وتعدد أوصافه وهي تنطبق على الشهيد ماجد بني حسن, وأن الآخر أسر وأوصافه تنطبق على رفيقه في العملية البطولية محمد عطية فريج. وهذه القضية تكشف في واحدة من جوانبها إستخفافا حكوميا بقضية ماجد ومحمد, وكأنها تعاقبهما وتعاقب ذويهما لكونهم أوفياء لخط فكري يرى في فلسطين ارضا محتلة, ويرى في اسرائيل عدوا.
عندما قرر ماجد ومحمد القيام بتلك العملية التي يقول الجيش الإسرائيلي أن المواجهة فيها كانت حامية الوطيس, كانت معسكرات التطوع للجهاد في أفغانستان تفتح في أكثر من بلد عربي, لتحمل آلاف الشباب العرب لقتال الروس بمباركة أمريكية وبمال أكثر من دولة عربية مشبعين بأحاديث الجهاد والشهادة.. ودار الزمن دورته وعاد \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"المجاهدون العرب\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\" إلى بلدانهم ليشكلوا عبئا ثقيلا على مجتمعاتهم بما حملوه من أفكار تريد إقامة \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"المدينة الفاضلة\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\" على الطريقة التي رأيناها خلال حكم طالبان, فحدثت المواجهة, ومثلما فتحت دولنا معسكرات التدريب لهؤلاء المتطوعين فتحت لهم السجون بالحماس نفسه.
ماجد ومحمد اختارا فلسطين, ورفضا الذهاب بعيدا نحو أفغانستان التي شكلت فلسطينا من نوع آخر لعدد من الدعاة..قبل سنوات وبينما كنت أتابع قضية الأسرى في اسرائيل روت لي والدة ماجد قصة تستحق التوقف عندها طويلا, تقول أم ماجد: ذات يوم جاءني ماجد, وبعد أن مازحني سألني إن ذهبت إلى أفغانستان للجهاد هل تأذنين لي?
فأجبت مباشرة وبشكل صارم: لا وسأغضب عليك
ابتسم ماجد وسألني: وإذا رحت فلسطين
وتصمت الأم البدوية الصابرة, ويعتبر ماجد صمت أمه موافقة لا تقبل الشك, فتكون فلسطين وجهته ومكان استشهاده.
في جامعة اليرموك كان ماجد علما في إجتهاده وشجاعته, وكان وزميله محمد عطية من أكثر الطلاب تفوقا, كان ماجد هو الأول على قسم التاريخ وكان محمد شاعرا وواحدا من أفضل طلاب كلية الحجاوي الهندسية.
ماجد ومحمد هما قصة تحمل جوانب عديدة, تلتقي وجهات النظرة حولها وربما تختلف, لكنها في أهم جوانبها أزمة مواطنة حقيقية. احتاج الكشف عن مصير ماجد إلى عشرين عاما لم يتوقف أهله ومحبوه خلالها عن البحث والمطالبة, رسائل ومناشدات لم تترك بابا إلا طرقته لتصل القضية في النهاية إلى ديوان المظالم.اليوم أهل ماجد يطالبون برفاته فكم سيستغرق الأمر? هل سيحتاج إلى عشرين عاما أخرى?.
لا يضير ماجد أن يكون جسده مدفونا في أرض فلسطين لأن ذلك كان خياره, ولا يضير محمد فريج أن يكون اسيرا في سجن سري إسرائيلي,لأن مثله يدرك أن ما أقدم عليه له ضريبة باهظة, لكن أبسط حقوقهما كمواطنين اردنيين,كما هو حقنا جميعا أن لايبقى مصيرهما مجهولا كل هذه السنوات. وذلك بلا شك سبة في وجه الأردن وتجاهل للحقوق المكفولة بالقانون.
لا أدري من أين جاء مسؤولينا بتلك القناعة بأن توقيعهم على معاهدة سلام يعطيهم ذريعة لطي ملفات كهذه, ومعاملتها كعار يستوجب الدفن والمداراة, فعلى الجانب الآخر وعند أصدقائهم الإسرائيليين تمثل قصة رون أراد عبرة لمسؤولينا لو أنهم يعتبرون, فهذا الطيار الاسرائيلي أسر في لبنان بعد اسقاط طائرته الحربية التي كانت تحمل موتا ودمارا, لكن حكومته لم تنسه إلى اليوم, وعقدت مبادلة اسرى مع حزب الله مقابل معلومات عنه, وترفع صوره على معابرها الحدودية وفي مطاراتها مع عبارة تقول: لن ننساك يا رون!
نحن لا نطلب من حكوماتنا أن تقيم صرحا لماجد أو تعلق صورة له, وهو يستحق ذلك, لكننا نطالب بإحترامه وإحترامنا.
الإحترام, هو المعادلة الغائبة في علاقة الحكومات بالمواطنين في العالم العربي, وهنا أذكر ما رواه لي صديق يعمل في مجال القانون الدولي الإنساني, زار معتقل غوانتانامو قبل سنوات وعاد مذهولا مما رآه, لكن أكثر ما استوقفه بحزن, أن دولا مثل كندا واستراليا أرسلت لمعتقلين يحملون جنسياتها محامين, ورسائل وهدايا من أطفالهم, في حين أرسلت دولنا العربية محققين قاموا بالتحقيق مع السجناء وتعذيبهم.(العرب اليوم)