لا تقولوا إنها الأزمة العالمية

المدينة نيوز - كتب : جمانة غنيمات - من السهل القول إن الأحداث العالمية وانعكاساتها المحلية، أدت إلى زيادة معدلات البطالة، وبذلك لن يحاسب أحد الآخر.
والتأكيد أن الأزمة المالية العالمية وتبعاتها تتحمل كامل المسؤولية عن الارتفاع الكبير في معدلات البطالة، التي زادت بمقدار 1.3 نقطة خلال الربع الثالث من العام الحالي، يعفي المقصر من تحمل مسؤولية اتساع هذه المشكلة الاجتماعية قبل أن تكون اقتصادية.
والوصول لهذه النتيجة يخلي مسؤولية الحكومة وجميع الجهات ذات العلاقة بسوق العمل من مشكلة الزيادة الخطيرة في عدد المتعطلين عن العمل، والتي تؤثر على شرائح الشباب والخريجين الجدد، وتقتل الأمل لديهم وتؤخر إنتاجيتهم إلى أجل غير مسمى.
وفق هذه النتيجة يكون الكل بمأمن، ووزير العمل والقائمون على إدارة سوق العمل أبرياء من نسب البطالة الجديدة، وليس لهم حيلة ولا ذنب فيها، لأن الأمر كله بيد الأزمة المالية التي تسببت بتباطؤ الاقتصاد الوطني ومختلف قطاعاته وأضعفت قدرتها على التشغيل.
بيد أن الواقع غير ذلك، فالأدوات المتوفرة لدينا موضوعة على الرف، وأهمها ملف المهن المفتوحة وتلك المغلقة، التي لم تحرك الحكومة ساكنا تجاهها، وظلت تماطل من دون اتخاذ إجراءات تصحح الاعوجاج الذي يعتريها، رغم أن الأفكار حولها كثيرة وغير مكلفة، ولا يحتاج تطبيقها إلا إلى جرة قلم توفر آلاف فرص العمل.
فالحكومة لم تدرس بعمق موضوع المهن المغلقة، ولم تعط الاهتمام الكافي لهذا الملف، الذي يسهم تخصيص قليل من الجهد له بتخفيض معدلات البطالة بنسب مرتفعة خلال زمن قياسي، بحيث يسجل كإنجاز في ملفات الحكومة التي اعتبرت في وقت ما معالجة البطالة أحد أبرز أهدافها.
ويظهر أن القائمين على سوق العمل ركنوا إلى حجة جاهزة، كمبرر مقنع لتفسير القفزة الكبيرة والواضحة في عدد المتعطلين عن العمل، وغفلوا عن أن علاج هذه المشكلة يحتاج إلى إزالة التراب عن وجه الصخرة الكبيرة التي ظلت عثرة في وجه حل هذه المشكلة.
ولو أن الوضعين العالمي والإقليمي بخير، لقلنا إن الحل يكمن في جذب استثمارات مولدة لفرص عمل تناسب الأردنيين، ولكن الظروف وتدني حجم الاستثمار وطبيعة الوقت الذي يستغرقه لإخراج نتائجه إلى أرض الواقع، يقلل من الأثر الفوري لهكذا خيار، ويبقيه جانبا.
فحجم الاستثمار المتدفق في هذه الآونة، لا يلبي الحاجة إلى خلق نحو 100 ألف فرصة عمل لاستيعاب نسب البطالة الحالية وتوفير فرص العمل للخريجين الجدد.
والإمكانات المالية المحدودة وتدني منسوب الاستثمارات القائمة، أو تلك المنوي إقامتها بالتزامن مع حالة التباطؤ الاقتصادي التي تتعمق يوما بعد يوم، وتضعف فرص التوظيف في القطاعات القائمة، يتطلب إعادة النظر في أدوات إدارة سوق العمل، لنتمكن بما هو موجود لدينا من تخفيف معدلات البطالة.
وأخذ معدلات النمو الاقتصادي والسكاني خلال النصف الأول من العام الحالي، والتي تبلغ على التوالي 2.5 و2.2 % أيضا، يقلل من شأن النمو المتحقق في خلق وظائف تكفي لحل المشكلة، لا بل إن المؤشرات الحالية تشي بأن أرقام البطالة أكثر عرضة للزيادة خلال الفترة المقبلة، إن لم نلجأ لتفكير خلاق يقلب المعادلة الحالية.
دحض فكرة ثقافة العيب، وتفنيد نظرية من يرونها سببا لارتفاع معدلات البطالة، يحتاج إلى رؤية جديدة تنظم سوق العمل، وتؤمن أن الظروف الاقتصادية الصعبة والتراجع المتواصل لمستويات المعيشة انتصرت بقوة على ثقافة العيب المزعومة. (الغد)