منظومة للنزاهة ومحاربة الفساد
المدينة نيوز - كتب : جمانة غنيمات - ما يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الفساد، عمليات الاختلاس وخيانة الأمانة، ويغيب عن البال الكثير من المعايير التي تشكل منظومة ضمان النزاهة ومحاربة الفساد.
فهذه المنظومة أهم بكثير من قضايا الفساد بعينها، كونها تؤسس لبيئة تحول دون تفشي الفساد وتعالج المشكلة قبل وقوع البلاء.
يوم أول من أمس أعلنت أسماء الأعضاء الجدد لهيئة مكافحة الفساد، الذين سيباشرون عملهم، وسيجدون أمامهم الكثير من الملفات بانتظارهم، ما يتطلب منهم جهدا وأمانة منقطعة النظير.
والمتوقع من الهيئة بعد التقييم المتواضع الذي حصلت عليه المملكة في مؤشر محاربة الفساد، تكثيف جهودها والمطالبة بتقوية صلاحياتها التحقيقية والرقابية على مؤسسات القطاعين العام والخاص على السواء.
ومطلوب من الهيئة مراجعة جميع الملفات المخبأة في الأدراج، وإعلان النتائج تأكيدا أو نفيا، حتى لا تظل حبيسة النفوس والمكاتب، بهدف تقليص الحديث عن الفساد الذي بات ينتعش يوما بعد يوم.
وساهمت النتائج الخجولة والمحدودة لعمليات محاربة الفساد في ترسخ القناعة بغياب الإرادة في تقليص حجم هذه الظاهرة، في ظل تفشي الفقر والبطالة وتراجع المستوى المعيشي.
تنامي الحديث عن الفساد يقع رغم أن الأردن أنشأ خلال الأعوام الماضية مؤسسات رقابية عدة لمكافحة الفساد، ومنها هيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم وديوان المحاسبة، لكنّ نتاج عمل هذه المؤسسات لم يزد عن رقابة خجولة ونتائج متواضعة.
ولتقدير حجم النزاهة الواقعة لا بد من أخذ عدة معايير بعين الاعتبار أهمها، الحرية الإعلامية والصحافية لدورها في الرقابة على الأداء وكشف المخالفات وتسليط الضوء عليها، فمن دون الحرية لا تستوي الأمور وسنظل ندور في حلقة مفرغة من البحث عن الشعبية من خلال الحديث المجاني عن مكافحة الفساد ومن دون نتائج تذكر.
وقد يستغرب البعض من أن تصنف عمليات وأسس إعداد الموازنة العامة للحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة كجزء مهم من منظومة ضمان النزاهة ومحاربة الفساد، فليس الفساد كله سرقة الملايين، فالفساد المتمثل بهدر النفقات والمبالغة في تقديرها من دون نتيجة ترجى أو فائدة تتحقق على أرض الواقع، أخطر بكثير كونه يستنزف الموارد ويزيد الأعباء بلا طائل. فالأخطاء التي ترتكب في إعداد الموازنات ترتقي لمستوى الجريمة، إذ أن لها أثرا كبيرا على الاقتصاد يصيب الصغير قبل الكبير، ويأتي بنتائج خطيرة تتحملها الأجيال القادمة من عجز ودين وأموال تضيع بلا نفع.
والقوانين التي تحكم أنظمة الخدمة المدنية وطرح العطاءات ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص والخصخصة وإدارة المشاريع المملوكة للحكومة، كلها تدخل ضمن مؤشرات قياس مدى الجدية في محاربة الفساد والتي أعتقد أن تقدير الأردن فيها ضعيف جدا. ولا ننسى أن تطبيق حكم القانون على الجميع بعدالة، يدرج أيضا ضمن المعايير التي تقيس الجدية في محاربة الفساد والمفسدين، فغياب القانون وتغليب أسس أخرى في الحكم يوسّع دائرة المفسدة ولا يقلصها. والتطلع إلى منظومة القيم الاجتماعية وانتصار الرغبة في الإثراء على القيم الأخلاقية حسم بشكل قاطع الموقف لصالح انتشار الفساد، فهل نراجع منظومة قيمنا؟. (الغد)