ما فات لم يمت !! *

المدينة نيوز - كتب : خيري منصور - من قالها لا بد ان يكون مدينا تهرب من دائن او مطلوبا لثأر تمنى لو تكتمل جريمته بلا شهود ، فما مات هوما ندفع ثمنه الان باثر رجعي وقد اضيفت اليه نسبة من الربا التاريخي..
من صمتوا قبلنا وقبلوا بالامر الواقع وتأقلموا مع الظرف الشاذ اورثونا مديونية لا مجال للتهرب من تسديدها ، وقد يكون موقفا اتخذه الجد العاشر هو ما تورطت به تسعة اجيال فالاخطاء لا تزول بالتقادم ، لان نواميس التاريخ اقوى من كل القوانين لهذا فان ما يجب حذفه الان هو كل ما من شأنه ان يعفي الاجداد مما يتحمل الاحفاد من اعباء والشعوب التي دفعت مهر حريتها وسيادتها من دمها وعرقها ودموعها يعود اليها الفضل في كل ما ينعم به الورثة من حريات ، شرط ألا يبدد الخلف ما انجز السلف ، حتى حياتنا الشخصية كافراد لا يليق بها القول بان ما فات مات لان المسألة ليست توبة فقط ، فالخطأ اذا لم يتم استدراكه يتحول الى خطيئة ، تماما كما ان السخونة اذا اهملت تتحول الى التهاب سحايا..
وكما يصارب الافراد بالحمى والالتهابات التي قد تهدد العافية فان المجتمعات ايضا تصاب بالجرثومة ذاتها لكن على نحو غير مشهود بالعين المجردة ، وبمقاييس اخرى غير التي تنطبق على الافراد.
ومن لم يقل لا عندما تطلب الموقف ذلك عليه ان يدرك بانه اضاع فرصة الى الابد ، وهذا بالضبط ما قاله سارتر عن واحد من ابرز الكتاب في تاريخ فرنسا هو فلوبير ، فقد قال ان فلوبير فوت على نفسه فرصة تاريخية الى نهاية العالم ، لانه ادار ظهره عن احداث جسام ، وهذا ما كرره بريخت الالماني عندما قال ما الذي سيجيب به احفادنا واحفاد احفادنا عندما يسألون: اين كنتم عندما سالت الدماء في الازقة؟ وعندما ذبح الاطفال وانتصر الثعبان على الفراشة والغزال؟
ما فات لم يمت ولن يموت لان قيامته محتمة مع كل حدث يذكر به او وقع بسببه ولو بعد الف عام،
ان لصوص الظلام وحدهم من يتمنون لو أن التاريخ يسدل الستارة على الأمس وما قبله والطغاة وحدهم من يتمنون لو أن الزهايمر السياسي يتحول الى وباء يعصف بذاكرات البشر بحيث تصبح صفحات بيضاء ، لأن المقارنة هي ما يتيح لنا أن نفرز الجميل عن القبيح ، والخير عن الشر والعدل عن الظلم ، وكل مقارنة تتطلب بالضرورة موقفين متباعدين ان لم يكونا متناقضين،
والامثلة عن عدم موت ما فات في حياتنا كثيرة ، أقربها ما يجري في فلسطين ، فلو كان الوعي التاريخي على غير ما كان ، ولو تنبه الغافلون الى الارض التي تسحب من تحت أقدامهم قبل ستين عاما أو اكثر لما كان الحال على ما هو عليه.
واسرائيل من أكثر المستفيدين من هذه الحكمة الخرقاء عن موت ما فات.. لأن المسألة عندئذ تصبح أمرا واقعا لا بد من التسليم به ، وقد نذهب الى ما هو أبعد فنقول ان بعض ما فات قادم في الطريق ، لكن من خلال صور وتجليات اخرى ، ولأن الاعداء يخشون ذاكرة الضحية أكثر من أي سلاح آخر ، فهم يراهنون على غسلها ، واقناعها بأن ما فات مات وعليها ان تبدأ من الصفر،، (الدستور)