إسرائيل» والغرب : المصير المشترك في جغرافيا هلامية..!

تم نشره الخميس 07 تشرين الأوّل / أكتوبر 2010 05:47 صباحاً
إسرائيل» والغرب : المصير المشترك في جغرافيا هلامية..!
راكان المجالي

ليست "فارغة" تلك "الدلالة الجغرافية" ، لمفهوم الشرق الأوسط ، التي كانت سائدة حتى مطلع القرن العشرين ، والتي حاول د. غسان سلامة (أستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون ، ووزير الثقافة اللبناني الأسبق) تفاديها ، في محاولة تحديده لمفهوم الشرق الأوسط(مقال في جريدة الحياة ، بعنوان: قراءة في مفهوم الشرق الأوسط في عصر العولمة: الشرق الأوسط.. صراعات اللاعبين ولغة المصالح ، 2009). فإبحار السفن "من مرفأ لندن ، متّجهةً شرقاً ، وحاجتها إلى التوقّف ، لتعبئة الوقود في الشرق الأدنى (أي مالطا وقبرص) ، وفي الشرق الأوسط (أي السويس وعدن) ، ومن ثمّ الشرق الأقصى (أي بومباي وما بعدها) ، يشكّل المعنى الجغرافي والتاريخي للمصالح الغربية ، في ذلك الجزء مًن العالم. فعلى الرغم من فقدان مرفأ لندن لصفته كـ"كمحورْ للعالم" ، وكذلك عدم اضطرار الأساطيل الى مواصلة التوقّف عند "محطّات الفحم الحجري" ، مْن أجل عبور المحيطات ، فإنّ المنطقة لم تخسر أهميتها الإستراتيجية العالمية. كما أنّها لم تكن "فارغة من أي محتوى ثقافي أو سياسي" ، في تلك الفترة ، بل كانت الخاصرة العثمانية الأكثر رخاوة ، والتي تمكّن الغرب ، مًن خلالها ، مًن إجتياح جسد الدولة العثمانية الممتدّ ، ومًن بعدها الشرق كلّه.

كما أنّ عبارات تعريف خطوط الطيران الدولي للشرق الأوسط ، التي حاول د. سلامة خلطها مع مفاهيم "الإنشاء السياسي" للمنطقة ، مثل: "إسرائيل وجوارها" ، أو "مًن مراكش إلى بنغلادش" ، أو "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" ، او "الشراكة الأورومتوسطية" ، أو "الشرق الأوسط الكبير" ، لا تعني العشوائية في تحديد مفهوم سياسي وجغرافي موحّد للمنطقة ، بًقدر ما تعني قلقاً وصراعاً عنيفاً ومكتوماً ، بين القوى العالمية الأكثر اهتماما وتأثيراً في شؤونها.

فالغرب ، الذي "يُخفي تغوّله عن نفسه ، وعن غيره" ، قدّم نفسه الى المنطقة ، مندمجاً ومتوحّداً مع شكل الوجود "الإسرائيلي" الحديث فيها. وهو وجود "غولي ومُنفلت وعنيف" ومُركّب ، ولم يتورّع عن إرتكاب أبشع أنواع القتل والإبادة ، لتحقيق وتثبيت وجوده فيها ، خلال نصف القرن الأخير على الأقلّ.

ما سبق يأخذ معانيه الجليّة ، وربما الصادمة للبعض ، في ما كتبه "خوسيه ماريا أزنار" ، رئيس الحكومة الإسبانية السابق 1996( - )2004 ، بصحيفة "التايمز اليوم" في حزيران الماضي ، بعنوان "إدعموا إسرائيل لأنها إذا إنهارت إنهار الغرب".

فتصريحات الرجل ، لم تتوقف عند الهدف والتوقيت السياسي المباشر لمعناها ، بل تجاوزتهما الى ما هو أعمق ، باعتبار أنّ "إسرائيل هي جزء أساسي من الغرب ، وما هو عليه (أي الغرب) بفضل جذوره اليهودية ـ المسيحية. ففي حال تمّ نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور ، وفقدان إسرائيل ، فسنضيع نحن أيضاً ، وسيكون مصيرنا متشابكاً ، وبشكل لا ينفصم ، سواء أحببنا ذلك أم لا" (،). فبحسب "أزنار" ، فإن "إسرائيل هي خطّ دفاعنا الأول (أي الغرب) ، في منطقة مضطربة ، تواجه بإستمرار خطر الانزلاق إلى الفوضى ، ومنطقة حيوية لأمن الطاقة لدينا ، بسبب الإعتماد المفرط على النفط الموجود في الشرق الأوسط ، والمنطقة التي تشكل خط الجبهة في الحرب ضدّ التطرّف ، فإن سقطت فسنسقط معها". كما أنّ تراجع الغرب عن دعم إسرائيل ، وترْكها تواجه مصيرها وحدها ، في هذه الظروف ، دليلّ صارخ على مدى تراجع الغرب وضعفه. ذلك أنّ ، والكلام لـ"أزنار" ، الدفاع عن حق إسرائيل في العيش بسلام ، وضمن حدود آمنة ، "يتطلّب درجة من الوضوح الأخلاقي والإستراتيجي ، كثيراً ما تبدو وكأنها إختفت من أوروبا ، كما أن الولايات المتحدة تظهر علامات مثيرة للقلق ، حول السير في الاتجاه نفسه"...،،.

ولم تتوقف تصريحات "أزنار" عند حدود الكلام ، بل قام بتأسيس جمعية باسم "أصدقاء إسرائيل". وهي مبادرة افتتحت فرعاً لها في بريطانيا ، وتهدف الى "وقف عملية تآكل حقوق إسرائيل" ، باعتبارها مسألة "مهمة وحيوية لإسرائيل ولجميع الدول الغربية ، لأنه في حال سقطت (أي إسرائيل) فسنسقط جميعاً معها§. وقد ضمّت تلك المبادرة سياسيين أمريكيين ، وأوروبيين ، وناشطات وعلماء لاهوت. كما تسعى الجمعية الى "التصدي لتنامي موجة الإنتقادات ، الرامية لتقويض حق إسرائيل في الوجود ، والتصرف دفاعاً عن النفس"(،). ومن بين مؤسسي مبادرة أصدقاء إسرائيل إلى جانب "أزنار" ، ممثل الولايات المتحدة الدائم السابق لدى الأمم المتحدة "جون بولتون" ، والرئيس السابق لمجلس الشيوخ الإيطالي "مارسيلو بيرا" ، والسياسية الإيطالية "فياما نايرنشتاين" ، والمؤرخ البريطاني "أندرو روبرتس".

بهذا الإنحياز الثقافي الغربي التأسيسي ، يتقدّم الغرب الى العرب ، على وجه التحديد ، ك" مركّب غربي إسرائيلي لامتناهْ". وبه ، تتحدّد "إسرائيل" ، كانتهاكْ جوهري دائمْ ، لكلًّ فرص العرب التاريخية والمصيرية ، ومًن دون أن يترك لهم ذلك خياراً سوى "الخنوع والتبعية" ، أو "عنفّ ساحقّ" يبقيهم دوما في قاع الأمم المتخلّفة.

فمَنحُ ذلك الكيان الضئيل ، بموارده وحجمه ، قوةً تمكّنه ، بإستمرار ، من إلحاق الهزيمة بالعرب مجتمعين ، بما فيها(السلاح النووي) ، ليس له معنى سوى "عدم الإقرار للعرب ككيان جمعي محتمل بغير حياة محضة" ، يمكن محوها ، إن إقتضت الضرورات.

وهو أيضاً انحيازّ تؤكّده الدولة العبرية ، بربطها لكيانها ومصيرياً بالغرب ، تماماً كما يربط الغرب المتحضّر مصيره ومستقبله بها ، وهو ما تُعزّزه جهود وتصريحات "أزنار" ورفاقه الأخيرة. بهذا يتحدّد المعنى الجوهري لإستمرار وجود "إسرائيل" ، بما هي "تمديدّ للشرط الإستعماري في المجال العربي". ما يعني تحويل المنطقة العربية الى "مجالْ مباحْ ومكشوفْ لا كيان له" ، ويحيا على الدوام حالات إستثناء دائمة: بما يجعله دوماً "حقل صيدْ مشاعْ" ، فيمتنع بالتالي عن أن يتحقّق فيه "أمن عام أو عقل عام أو مجتمع بشري"(،).

لهذا ، ووفق منطق الاستباحة الغربي ، كان لا بُدّ مًن إبتكار إسم لقلب هذا المجال المُستباح ، بشكلْ لا يحمل أيّة دلالات ثقافية أو تاريخية. أي مجرد إطارْ جغرافي هُلامي ، يتمركز حول أوروبا ، ويتحدّد موقعه الجغرافي بالانتساب إليها ، إنّه: "الشرق الأوسط". (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات