يحدث في عصر «الإهانة»!

تم نشره الخميس 25 أيّار / مايو 2017 01:15 صباحاً
يحدث في عصر «الإهانة»!
حسين الرواشدة

إذا سألتني عن كلمة تختصر حالة الانسان العربي الآن سأجيبك على الفور: الإحساس “بالإهانة”.

لا أحتاج -هنا- للتذكير بما جرى على مدى السنوات الست الماضية من أحداث استهدفت إطفاء “حلم” الشعوب العربية باستعادة كرامتها وحريتها، ولا بما فعلناه بأنفسنا من جرائم تقشعر لها الابدان، ثم ما فعله الآخر المتربص بنا حين اجهز على كل بارقة امل تلوح في فضائنا الملبد بغيوم اليأس والإحباط..

اريد ان اشير فقط الى مسألة “الإهانة” هذه التي أصبحت عنواناً لحياة المواطن العربي، سواءً وهو يعيش في بلاده أو حين تدفعه الظروف للهروب منها الى الخارج، صحيح ان درجة هذا الإحساس تختلف من مكان لآخر، ومن شخص لآخر ايضاً، لكن اعتقد ان اغلبية الذين قادهم القدر ليصبحوا جزءاً من سكان هذه البلدان المنكوبة يشعرون بجرح “الإهانة”، ليس فقط لأنهم يرون بأعينهم العواصم والحواضر التي تسقط، او الأعداء الذين يشمتون بهم، ويرقصون على جراحهم، او الانحناءات المخجلة التي يرسمها مسؤولون يتمنون  رضى الاخر للحفاط على مقاعدهم، وانما أيضا لأنهم من داخلهم يشعرون بهذه “الإهانة”، يرونها في عيون أبناء تمردوا  على وصايتهم، وفي وجوه زوجات ادركهن التعب والخوف وفي مقررات وخطابات تحولت الى “صفعة” في وجوه الجميع.

لا يوجد أسوأ من لحظة يشعر منها الانسان “بالإهانة”، عندها يمكن ان يفعل أي شيء،  الذين يحرقون انفسهم كما فعل البوعزيزي والآخرون الذين ينتحرون او ينحرون اقرب الناس اليهم، هؤلاء لم يتحركوا الا بفعل الإحساس “بالإهانة”، الفقر الذي هو اقرب صديق للكفر لا يشعرك “بالإهانة” الا اذا غابت موازين العدالة وتحولت المقررات الى وحوش كاسرة تستهدف فئات دون أخرى، التبعية التي لا تشعرك بالإهانة الا اذا كانت خياراً تتنازل معه طوعا عن كرامتك لحساب الحفاظ على مكاسبك، حتى القتل لا يولد فيك الإحساس بالإهانة الا اذا كان رخيصا، ببندقية مستأجرة يستأجرها اقرب الناس اليك.

كل التحولات التي شهدها التاريخ وراؤها سرّ واحد وهو “الإهانة” : حين اهانت الكنيسة الانسان الأوروبي، خرج في الشوارع لكي ينتصر لعقله الذي هو عنوان “كرامته” وحين داهمنا الربيع العربي لم تكن الشعارات التي رفعها الناس في الميادين الا ارتداداً لصوت واحد وهو الإحساس بالإهانة..

هنا فقط، ارجو ان لا يقول لي أحد ان الأخر الذي استعمر بلداننا، والأخر الذي ساهم في قتل شعوبنا، والأخر الذي ضحك علينا كما فعل نابليون في مصر، او كما فعل سايكس وبيكو، او كما فعل بوش في العراق او ترامب حين استضفناه، هم الذين اهانوا ذاتنا العربية، لا اننا فعلنا بأنفسنا ما فعلناه من اهانات حين تولدت لدينا “القابلية” لاستثمار اهانتهم لنا، والدفاع عنها ايضاً.

ما الذي يملكه الانسان “المهدور” الكرامة حين يشعر ان ذاته مجروحة ومهانة، هل يمكن ان نفهم الآن لماذا يقتل الأخ اخاه على تخوم الطائفة والمذهب والوطن الواحد، هل يمكن ان نفسّر هذا “التخلف” الذي ما زال يطاردنا منذ قرون، هل بوسع أحد ان يدلنا على تفسير مقنع لما حدث او يحدث في مجتمعاتنا من “تسفل” أخلاقي، ومن دمار على جميع المستويات وفي مختلف المجالات؟

لا إجابة ابداً سوى الإحساس “بالإهانة” فهي وحدها كفيلة بأن تجرد الانسان من انسانيته، وفاعليته، وقدرته على التفكير، وان تعيده الى عصر “الحيوانية” التي لا يوجد فيها وازع او ضمير او اعتبار للكرامة، او حتى رغبة في الحياة.

الدستور 2017-05-25



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات