من ورّط الحكومة؟!

عشية بدء عملية تسجيل أسماء المرشّحين، هاجم التحالف المدني لرصد الانتخابات "راصد" الحكومة لما أسماه بـ"السرية المبالغ فيها" في تسجيل أسماء المرشّحين، ما يتناقض مع المعايير الدولية في النزاهة والشفافية التي تلزم الحكومة بمنح المسجّلين للترشيح الحق في الاطلاع على قائمة المرشّحين الآخرين في دوائرهم الفرعية.
عدم الإفصاح الرسمي، يوما بيوم، عن أسماء المرشّحين، برأي خبراء سياسيين، يدفع إلى قلق شريحة واسعة من المرشّحين بأنّ ذلك يهدف إلى تمكين بعض الأسماء التي تدعمها الحكومة من الحصول على دوائر فرعية تتيح لهم فرصا أفضل بالنجاح، نظراً لطبيعة المرشّحين، وقد بدأت بالفعل الاحتجاجات تأتي إلى الحكومة من عدد من المرشّحين، قبل بدء التسجيل الرسمي، خوفاً من هذا السيناريو.
الزميل سميح المعايطة، الناطق باسم الانتخابات، يرفض وصف ذلك بـ"السرية". إذ إنّ المحافظ لا يمنع المسجّلين من إعلان أسمائهم في دوائرهم الفرعية، لكنّه يتجنب الإعلان الرسمي حتى يستوفي المرشحون الأوراق القانونية ويتم التأكد منها، وذلك لا يمنع الإعلام من المتابعة مع المرشحين أنفسهم وإطلاع الرأي العام عليها، في حين سيتم الإعلان الرسمي عن الترشيح في نهاية المدة القانونية للعملية.
وبرغم وجاهة رد المعايطة، قانونيا وإعلاميا، إلا أنّ مصادر خبيرة بالانتخابات تعزو السبب الحقيقي لعدم الإعلان الرسمي بالخشية الرسمية من "عزوف المرشّحين" عن التسجيل في دوائر فرعية معيّنة، وهو احتمال ممكن، في ظل تقاسم عدد من المرشّحين الكبار الدوائر الفرعية بينهم، وتوزيعها بما يضمن لكل منهم فرصةً أفضل، وهو ما قد يخيف المرشحين الآخرين ويدفعهم إلى الاستنكاف عن العملية بأسرها.
ذلك الإجراء الرسمي لم يمنع الظاهرة. فقد حدث تقاسم "المرشحين الكبار" للدوائر الفرعية فعلاً، في كثير من الدوائر الفرعية في المحافظات، ما "يصغّر" ويحجّم مساحة المنافسة القوية والحقيقية، بل ثمة مرشّحون أغرتهم هذه الحال وأصبحوا يدفعون إلى الفوز بالتزكية بدوائرهم الفرعية، بعدما استنكف كثير من المرشّحين عنها!
المفارقة بأنّ هذه الظاهرة لا تصيب فقط المحافظات، ذات الأوزان العشائرية والاجتماعية التي يمكن أن تقاس فيها القواعد الانتخابية بصورة أوضح، بخاصة إذا كان هنالك شبه توافق عشائري على مرشّح معين، بل حتى "دوائر الحيتان" في عمّان، المعروفة تقليديا بسخونة المنافسة السياسية فيها، أصابها الداء، كما هي الحال في الدائرة الفرعية الأولى في المنطقة الثالثة، ما ينزع دسم المنافسة القوية من الانتخابات، ويقلل من نسبة الناخبين في مناطق توافق الحيتان!
الخشية الرسمية تبدأ من القلق من "عزوف المرشحين" والناخبين في دوائر فرعية لا تُذكر مع الهاجس الأكبر، الذي يحكمنا جميعا، وهو الدعاء إلى الله أن تمر الانتخابات بعيدا عن أي أحداث عنف اجتماعي، بسبب "الدوائر الافتراضية"، التي ترفع منسوب التنافس العشائري وتمنحه شروطا أقوى.
بعد ذلك، ألا يحق لنا التساؤل من هو الذي ورّط الحكومة بهذا "الإبداع الخلاّق"؟!. (الغد)