العرب القادمون!!

توصيفهم ليس صعبا ، لأنهم لن يهبطوا من السماء بمظلات ، بل ستلدهم هذه البطون وسوف ينوء كل وليد منهم بحمولة شاقة من الديون ، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أوعسكرية ، ولا ذنب لهم في كل ما سيجري لهم ، لأن الآباء هم الذين أكلوا ما سوف يضرسون سواء من الحصرم أو العلقم ، واذا تنبهنا في ضجيج هذا الزحام الذي فرض علينا أن نحدق فقط الى أقدامنا وألا نرفع عيوننا لرؤية السماء الى ما يسعى اليه الغزاة من التمدد نحو المستقبل لاحتلاله فإن القادم من الأيام والآلام سيكون مجالا حيويا بامتياز لتجريب كل أشكال الابادة والتنكيل.
ومن كانوا قبل أقل من نصف قرن مئة مليون سوف يتكاثرون في العقود القادمة ليصبحوا على الأقل نصف مليار ، لكن الديمغرافيا لم تعد عاملا حاسما في صراعات عصرنا ، ولدينا الآن عينة جديرة بالفحص تحت مختلف المجاهر في هذا السياق وهي الانتصارات المتعاقبة لخمسة ملايين على ربع مليار ، وقد يتذكر الناس كم كانت بلجيكا تساوي بالنسبة الى الكونغو أو الهند بالنسبة لبريطانيا ، وقد يتذكر من لم يصب بالزهايمر السياسي حتى الآن ما قاله ذلك الزعيم الآسيوي وهو لو أن مستعمرات بريطانيا كانت من النمل أو الصراصير لاستطاعت أن تجرّ الجزر البريطانية من مكانها،
العرب القادمون رهائن ، فقد جنت عليهم هذه البراقش التي لم تجد غير النعامة لتقليدها في الدفاع عن نفسها فالرأس مغروز في الرمال.. وبقية الجسد أهداف نموذجية لكل الاسلحة بدءا من السهام حتى الرؤوس النووية،
سيولد السوداني شماليا أو جنوبيا وكذلك اليمني واللبناني والفلسطيني والعراقي الى آخر القائمة ، وقد تنشطر الهويات الأصلية الى متوالية شريطية من الهويات الفرعية والصغرى ، فلا يعود العربي عربيا الا باللسان هذا اذا لم تقضمه ايضا اللغات المنتصرة ، فنصف العرب الآن يرطنون بالابجدية ، ويضربون رؤوسهم وهم يبحثون عن مفردة في لغتهم تعبر عما يشعرون به وقد لا يجدونها،
العرب القادمون - اذا قدموا - وهذا استدراك مشروع لن يبكوا على اطلالنا ولن يذرفوا دمعة واحدة على قبورنا لاننا خذلناهم وهم أجنة في الارحام وحملناهم ما لا يطيقون من حماقاتنا وأنانيتنا المجنونة والاثرة التي تجعل الاصابع تخشى بعضها او تخشى من تصافحه،
لكن هل هذه التصورات سجينة مدار مغلق وان الرجاء لم يعد من قاموس ثقافة طالما كانت مشحونة بالامل والاشواق الى التغيير والتخطي؟
المسألة أبعد من ثنائية التفاؤل والتشاؤم وما بينهما من تشاؤل كما انها ايضا أعقد مما يقال عن نصفي الزجاجة الفارغ والممتلئ خصوصا اذا كانت الزجاجة مليئة بالدمع الذي يطفو على الدم.
لا يزال هناك بقية من الوقت ، فنحن لسنا في ربع الساعة الاخير ، لكن هذا يتطلب من القط ان يطلق كل امكاناته كي يعود أسدا أو نمرا ويكف عن التلهي بالتثاؤب والبحث عن الفئران واستمراء طعم دمه على حديد المبارد الفولاذية،، (الدستور)