ثلاثية الحكمة والنزاهة والخبرة

الظاهرأن تقييم المملكة آخذ بالتراجع في عيون الآخرين، بسبب تحييد ثلاثية الحكمة والنزاهة والخبرة التي تعد أساسا لنجاح أي مؤسسة، اذ لا يمكن لأي إدارة التقدم والتطور والتحضر من دون هذه العناصر الثلاثة مهما صغر عملها أو كبر.
وللأسف فإننا في الأردن نفتقد هذه التوليفة في العديد من مؤسساتنا سواء في القطاع الخاص أو العام، التي لا يملك القائمون عليها هذه الصفات كقاعدة متينة لتسيير أعمالهم، لاسيما وأن لكل صفة من هذه الصفات منافع لا تعد ولا تحصى.
فالحكمة في الإدارة والقيادة معيار أساسي، وهي السبيل لاتخاذ القرار السليم الذي يصب في المصلحة العامة ولا يخضع للأهواء الشخصية التي تقدم نتيجة واحدة هي الانحراف عن المسار الصحيح وتراجع الأداء من جميع النواحي.
وأظن أن عملا يدار بلا حكمة واتزان لا يمكن أن يحقق نتائج ايجابية، بل على العكس تماما فإن غيابهما يجعل الشخصنة والمشاعر سيدة الموقف في كثير من المواقف، ما يغيب الموضوعية والعقلانية والمهنية عن علاج القضايا وتحديدا الحساسة منها مهما تعقدت او تيسرت.
والنزاهة والأمانة في الإدارة تنبع من إيمان الفرد العميق بالدور الذي يؤديه، كون النزاهة سمة رئيسية في من يتولى إدارة شؤون الناس سواء في وزارة أو مؤسسة أو جمعية، ومن دونها لا تستوي الأمور ويضعف الانجاز.
وغياب النزاهة يتسبب بانحرافات وأزمات نتيجة ممارسات خاطئة ترتكب بحق الغير، ويخلف حالة من التوتر وعدم الرضا لدى الصف الثاني والثالث ممن يتأثرون بمثل هذه التصرفات.
ولا تنجح مؤسسة إذا غابت عن إدارتها الخبرة والمعرفة والإدراك للتحديات التي تواجهها، فالخبرة التي تراكمت لأحدهم على مدى سنوات ليست إلا كنزا ثمينا استحقه نتيجة خبرات وتجارب الحياة التي تعلم أكثر بكثير مما يرد في مناهجنا التلقينية.
ومن دون هذه المعايير لن يصلح لنا حال، طالما أن الأسس التي تنظم عمل كل شيء تفتقد هذه الثلاثية، لا بل إن الأمر اليوم بات اخطر، بعد أن عكفنا خلال سنوات خلت على التقليل من أهميتها، ما أتى بمزيد من الخراب والتراجع على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبلا أدنى شك السياسية.
وغياب هذه المعايير يؤخر عملية الإصلاح والتغيير المنشود طالما أن هذه المعايير لم تعد بالحسبان، فالتغيير نحو الأفضل لن يتم بعيدا عن النزاهة التي يحل محلها الفساد.
كما أن التطور المنشود لا يتم في مجتمع توضع فيه الحكمة على الرف، وتحديدا في القرارات المفصلية، فحتى اليوم لم نشهد مثلا اجتماعا يضم أهل الخبرات الاقتصادية والوطنية للحوار حول المأزق الذي نمر به اليوم بهدف الاستفادة من خبرة من سبقونا.
ودلالات تحييد هذه المعايير كثيرة، تبدأ من تراجع ترتيب الأردن في تقرير التنافسية والحرية وبيئة الأعمال والاستثمار، ولا تنتهي بتدني مستوى التقدير الذي حصلت عليه المملكة في مؤشر الفساد، وغيرها.
في الأردن حكماء كثر لديهم من الخبرة ما ساعد ببناء دول كاملة، فكيف نعجز اليوم عن حل مشاكلنا والمضي قدما في بناء بلد قوي يمضي إلى المستقبل بثبات ورؤية واضحة تحدد لنا الاتجاه الصحيح.
(الغد)