مخاض الحمل الكاذب!!!

احيانا يبدو التزاوج بين الجغرافيا والتاريخ بحيث تغدو الجغرافيا بلا تاريخ مجرد ارملة او عانس ، ومن هذا التزاوج يحدث حمل لكنه ليس مؤكدا ، فقد يكون كاذبا او حقيقيا لكن ما ينفع مع فحص الحوامل من النساء بواسطة السونار او مختلف الاجهزة الحديثة لا ينفع مع الجغرافيا ، فقد كتب ذات يوم فيلسوف الماني هو اشنبجلز عن الجيولوجيا وتضاريسها الكاذبة ، وهذا ليس بعيدا عما قاله اسلافنا العرب عن السراب ، فالظامئ يبتكر من الرمل ماء بسبب فرط اشواقه للمطر وخلاصة الامر ان هناك قرائن عديدة تجزم بان هذا الوطن العربي يمر في طور من اطوار الحمل ، فالحراك السياسي رغم تفاوته بين البلدان يبقى اشبه بالمخاض وهو مخاض عسير بلا شك.
المواسم الانتخابية هذا العام اكثر حدة من سابقاتها ، وما كان مؤجلا ادرج الان في عداد العاجل ، لان الصبر على ما يبدو قد نفد ، واوشك الناس على القنوط، ويخطئ من يقيس ما يجري الان في العالم العربي على اية سوابق ، لان السيل سواء كان من دمع او دم تجاوز الزبى وفاض الكيل ، فالتحالف بلغ ذروته بين الفقر والشعور بالتهميش وما كان ذات يوم بديهيات قومية اصبح عرضة للشكوك كلها ، فلا الوحدة تحققت الا اذا كان المقصود بها وحدة التخلف والحاجة والارتهان ، ولا الحريات سبقتها البشائر الى من انتطروها حتى كلوا وملوا من طول الانتظار.
وثمة من يرون بان هذا الحمل ليس حقيقيا وانه حمل كاذب تختلقه المرأة العاقر من خيالها لكن الجسد يصدق فيمتلئ كالقربة بالهواء.
ولان تاريخنا رغم كل ما يشوبه من روايات الزور وكل ما علق به من الغبار والدخان ليس عًنّينا او عاجزا عن الانجاب فان ما نشك فيه هو قدرة هذه الجغرافيا على الاحتمال ، فهي ممزقة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، وأنهارها أضاعت المصب اضافة الى أنها عطشت كمن يعيشون على ضفافها ، ونذر التصحير سواء تعلق بالانسان والوعي أم بالتراب بدت الآن مسموعة بصخب.
هذه الجغرافيا الموشومة منذ بواكيرها بالقداسة ، والتي تحولت الى نقمة ، بعد أن كانت نعمة ، هي التي تتحكم بالتاريخ الآن وتحدد له البوصلة فلولا هذا الموقع الديكتاتوري للجغرافيا لما سال لعاب الاستعمار قديما وحديثا عليها ، فبعد أن كانت ذات صقيع اوروبي المياه الدافئة أصبحت الذهب الأسود لهذا لم تهنأ هذه الجغرافيا يوما واحدا منذ أن شيد أو وضع في الغرب وصارت هذه المنطقة ضحية المنجم والسوق معا ، فهي حارسة لما فيها من ثروات ، ومحرم عليها الامتلاك.. وتلك عبارة أوحى بها هنري كيسنجر قبل أربعة عقود عندما عاد من جولاته المكوكية بتقارير عن هذه الجغرافيا أقل ما يقال عنها أنها لا ترفع الرأس،،
واذا ثبت بطلان الحمل بعد كل هذا العناء فان الآتي من الأيام لا يعلم به الا الله،، (الدستور)