"مستوردات" نسائية على شاطئ البحر الميت

في دبي المدينة التي لا تعرف حدودا في علاقاتها مع الغرب وعولمتها، توجد شواطئ خاصة بالنساء، وفي تركيا أقرب عالم الإسلام إلى الغرب كذلك. عندنا كثير من النساء غير الملتزمات بالمعايير الدينية والمحافظة يفضلن أن يسبحن في مسابح منفصلة. مع ذلك لا يوجد على جدول أعمال المجتمع، محافظا أم منفتحا، قضية المسابح المختلطة لا في المدارس ولا الفنادق ولا الأماكن العامة. من شاء فليختلط ومن شاء فلينفصل.
يتميز الأردن تاريخيا بهذا التعايش الفريد بين أنماط الحياة حتى إن بالغت في التشدد أو التحرر. وظلت السمة العامة للمجتمع هي المحافظة التي شكلت العلامة الفارقة للسياحة. وهذه المحافظة ليست قيمة تجارية فقط بل هي صمام أمان المجتمع في مواجهة الخضات الاقتصادية والاجتماعية. وللدكتور مصطفى الحمارنة- وهو علماني ديمقراطي- مقولة أنه لولا دور الدين لتحولت الأحياء الفقيرة إلى هارلم في الانحلال والجريمة المنظمة.
هذا خيط أبيض يتميز عن خيط أسود لم يكن يعرفه مجتمعنا، فالثراء الفاحش السريع يهدد هذا التعايش ويوجد استقطابا حادا غير مسبوق، ويعمق الانقسام إلى درجة تجعل التعايش صعبا. مثال ذلك صور حفلة تروج لمشروب على صفحات الفيس بوك. شكلت تلك الصور صدمة لأكثر الناس ليبرالية وانفتاحا، وهي تعبر عن احتقار للأنوثة واستباحة لها على مرأى العامة.
ليست حفلة أصدقاء أو حفلة عائلة، "موديلات" تم استيرادهن لغايات الترويج. وهن "الإناث" يستخدمن في الحفلة ويروجن للمشروب بشكل منحل وفج. يشارك في الحفلة وبأسماء ظاهرة ومن عائلات معروفة شباب يحق لهم استهلاك المنتج النسائي، والتباهي بصحبته في الماء وخارج الماء وفي غرف النوم ( نعم في غرف النوم). لو كانت المسألة حرية فردية لشاهدنا نساء من العائلات المرموقة تظهر صورهن كما الموديلات سواء بسواء مع الرجال.
النساء المعروفات في الحفلة التي نجهل كثيرا من تفاصيلها "احتشمن" مقارنة بـ"المستوردات". وبدت الصورة شبيهة بلوحات المستشرقين التي وثقت زمان الرق والجواري، فحل يتصدر وجارية تراقصه، والنسوة الحرائر في "المحرم" ينظرن من وراء المشربية أو النقاب.
يحدث في سياق فردي وخاص أكثر من ذلك في الأردن وفي كل بلدان العالم، الخطير أن ينشر ذلك وبشكل منهجي ومدروس ومقصود، وبأسماء علنية. هل المطلوب أن تتحول المرأة عندنا إلى "منتج" يصدر بدلا من " منتج" يستورد. وهل حرية المرأة تعني تسليعها واختصارها بجسد معرى ومستشقر؟
من يفاخرون بأن أولادهم رتعوا في حفلة استوردت نساؤها تماما كاستيراد المشروبات، عليهم أن يدققوا أكثر ويدركوا بأن النساء لن يبقين في موقع المشاهد، وسيتحولن إلى موقع المشارك. وهذه أقصى درجات عبودية المرأة.
هذا التحدي لقيم المجتمع وفق قوانين الفيزياء سيولد ردة فعل معاكسة في الاتجاه. والضحية ستظل المرأة، جسدا ينتهك أو جسدا يصان. ويضمر الإنسان فيها في الحالين. (الغد)