حروب كروية !

ما ان تودع مشاجرة على مدرجات الملاعب حتى يقال بأن الرسالة التي وصلت معلقة في عنق غراب زاجل قد أعيدت الى المرسل ، لكن سرعان ما تعاد الكرّة وباضافات تليق بما آل اليه هذا المشهد القومي من تشظي وتذرر ، لكن من اين تأتي الرياضة العربية بثقافتها وأدبياتها ومعجمها اللغوي؟ اذا كان المناخ السياسي هجائيا وجاهليا بعدة امتيازات رعوية ، أما معالجة هذه الظاهرة المزمنة فهي لا تقل تخلفا عنها ، لأن الرحم ذاته هو الذي ولد التوأمين ، شهاب الدين السياسي وأخوه الرياضي،
والتحليل النفسي والاجتماعي لحروب الكرة يجب أن يبدأ من أول السطر أو على الأقل من تلك المعالجات التي قدمها روجيه جارودي وآخرون عما سموه الخلايا الزواحفية في الدماغ البشري ، فهذه الخلايا هي ما يتولى التفكير والانفعال مطلقة للغرائز الدنيا العقال وبلا أية كوابح أو حدود،
ما كتبه جارودي وهو للعلم كتب في الأدب والنقد وعلم الجمال وحتى فن الرقص كتابات تنافس أهم ما كتب في السياسة ، كان ما كتبه جارودي عن هذا النمط البدائي من الزواحفية تعليقا على الطريقة التي يقود بها الشبان سياراتهم في شوارع باريس ، فهم ينسون أن الذي يمسكون مقوده هو آلة صماء لا تعي ولا تفكر ، لكنهم يسقطون على هذه الآلات رغائبهم وانفعالاتهم ، وكأن الحديد امتداد لأجسادهم،
حروب الرياضة في النطاق العربي لها شأن آخر ، فهي حروب بديلة ، والنصر والهزيمة فيها هما بدائل هذه الثنائية في مجال السياسة والعسكرية ، لذلك يتصور من ينتصر بأنه أنجز بطولة تاريخية على الخصم ، ويشعر المهزوم بأن كبريائه أو ما تبقى منه قد انتهك ، هذا اضافة الى ما تفتضحه هذه الحروب من مكبوتات نفسية وجنسية وسياسية بحيث تتيح الملاعب لهذه المكبوتات أن تنفجر بلا رقيب وتحت عناوين وشعارات مضللة،
ما من أحد بوسعه أن يقدم وصفة علاجية سريعة المفعول لهذه الظاهرة الوبائية لأنها متعلقة بالتربية أولا وبالسائد من الثقافة ومنظومة القيم والأعراف ، فالعربي يعاني من جراح عميقة في وجدانه وفي صميم نرجسيته الفردية والقومية ، لهذا يبحث عن بدائل سواء لحروبه المؤجلة أو لتحقيق ذاته التي يحاصرها الاحباط ويتربص بها الاجهاض منذ الولادة.. ولا نبرىء الاعلام العربي من عبء هذه المسؤولية ، فهو البادىء والأظلم في اقتراح أساليب قدح وذم متبادل وشخصنة تشحذ النزعات الثأرية والانتقامية..
ان قاموس مفردات الرياضة الآن عسكري والفرصة التي تقدمها المباريات لانفجار المكبوت يجري استثمارها من كل الأطراف.. المُعتَدي والمُعْتَدى عليه،، (الدستور)