طوارئ لمكافحة الفساد

تم نشره الأحد 18 حزيران / يونيو 2017 12:38 صباحاً
طوارئ لمكافحة الفساد
صبري الربيحات

الفساد آفة تأكل ما تبقى من قيم واخلاق ونظم وتلحق الاذى بتفكيرنا وشعورنا وعلاقاتنا وتهدد وجودنا. في التاريخ البشري كان انتشار الفساد مقدمة لنهاية المجتمعات وتبدلها. لذا فقد حرصت المجتمعات الواعية على تأسيس الآليات المناسبة لتعريف الممارسات الخطرة والتعديات على القيم والنظم والحقوق العامة والفردية، وعملت على إصدار التشريعات التي تجرمها والاليات الفاعلة للرقابة والرصد والاكتشاف لها والمعالجة القانونية والاعلامية والسياسية لها، بما يحقق سرعة اكتشافها والاستجابة لها ومعالجتها بصدق وشفافية وحزم.
منذ ايام  مدد التونسيون العمل بقانون الطوارئ لثلاثة اشهر اخرى، حيث استقبلت الصحافة والشارع القرار بكثير من الارتياح والترحيب. المبررات التي اعطيت لقرار تمديد العمل بالقانون كانت، اضافة الى الحفاظ على الامن وتعقب العصابات الاجرامية، تمكين الحكومة والاجهزة من ملاحقة الفساد والفاسدين.
 بفعل ظهور المدن الكبرى وانتشار التعليم وتكنولوجيا المعرفة والاتصال والصناعة والنقل وتنوع الاعمال واتساع قاعدة العاملين بالتجارة والخدمات، حدثت في العالم تغيرات واسعة طالت البنى والنظم والقيم والادوار والمكانات واستجاب لها الافراد والجماعات بطرق متباينة. 
في المجتمعات الصناعية تطورت نظم ومؤسسات واخلاق لتحديد اسس التقدم ولتناسب نوعية الانشطة والحياة التي تعيشها المجتمعات، حيث يتشكل البناء الاجتماعي من جماعات تقوم باعمال ومهن وادوار ضرورية ومهمة للجميع، ويتخصص كل فرد في اداء دور او مهنة يعمل ما بوسعه على إتقانها والتميز في أدائها. ويقوم الترابط الاجتماعي من خلال تشابك الادوار والاعتماد المتبادل بين الوظائف التي يؤديها الجميع بحرفية واقتدار. في هذه المجتمعات أسس ومعايير يحصل بموجبها الافراد على الأجور والمكافآت والمراتب ولا يتقدم احد على الآخر لاي سبب غير الكفاءة والجدارة.
  الحالة التي تمر بها مجتمعاتنا والتداخل الواضح بين البنى التقليدية والهياكل الحداثية للمجتمع هي المسؤول الاول عن التشوهات والممارسات والظواهر التي تعاني منها. ففي حين ما تزال العشيرة والجماعة والعائلة هي أحد العوامل الاساسية في تحديد موقع ودور ومكانة الفرد ظهرت في الافق عوامل التعليم والاختصاص والموهبة كمؤهلات تدفع باصحابها للمطالبة بحقهم في الاستخدام والتقدم والمكافأة. تأخّر المجتمع في اعتماد اسس واضحة لتوزيع الادوار والمكانات واستمرار المزاوجة او تغليب بعضها على الآخر تبعا للظروف والمتغيرات كان سببا من الاسباب التي اسهمت في خلق ثقافة الاستحقاق والمحاصصة التي نعاني منها  اليوم.
 ما لم يحدد المجتمع هويته واتجاهه واسس التقدم والأخطار التي يمكن ان تهدد القيم  والبنى والتنظيم ويعمل على رصدها واكتشافها والاستجابة لها بشفافية وحزم، فإن من غير المتوقع اختفاء روح التذمر وعقلية الاستحقاق والمحاصصة التي أصبحت مظهرا  من المظاهر التي يصعب التغاضي عنها.
خلال الاسابيع الثلاثة انشغل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي وسهراتهم الرمضانية في الحديث عن  حجم المكافآت والرواتب والبدلات التي يحصل عليها احد الاشخاص الذي عين رئيسا لمجلس ادارة احدى الشركات وتبريراته لما يحصل وسلسلة التعيينات التي جرت في مجلس ادارة صندوق الضمان الاجتماعي والملكية الاردنية والسفارات، وصولا الى قضية المستشار الذي أنهيت خدماته. مثل هذا الحديث سيستمر عند كل قرار او مناسبة اذا لم نؤسس لنهج مختلف يتجاوز الاساليب الارضائية والمعادلات ووصفات الترقية والنقل والعطاءات التي لا يفهمها غير الذين يصيغونها.
في ثقافتنا الشعبية وتاريخنا الكثير مما يبرر لبعض التجاوزات "اللي مافيه خير لجماعته مافيه خير لحدا"  او "فلان عفيه عليه بدبّر حاله"  الى ان نصل الى "ان فلان يستحق لانه مشروع شهيد" او "اللي مثله ومثل ابوه بطلعلهم".
  الاختلالات التي تحصل هنا وهناك ليست مادة للتسلية والتندر. بل هي  مشاكل حقيقية تحتاج الى وقفة ومراجعة واصلاح حتى ولو تطلب ذلك العمل بقانون الطوارئ كما فعل إخواننا التوانسة.

الغد 2017-06-18



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات