خوش آمديد

تم نشره الخميس 14 تشرين الأوّل / أكتوبر 2010 05:06 صباحاً
خوش آمديد
عريب الرنتاوي

ها قد أصبحنا نعرف ، أن أهلاً وسهلاً بالفارسية معناها: "خوش آمديد" ، والفضل في ذلك عائد للحفاوة الفائضة التي قوبل بها الرئيس الإيراني في زيارته الأولى للعاصمة اللبنانية ، تلك الحفاوة التي بالغت حركة أمل وحزب الله وفريق الثامن من آذار في إظهارها ، رداً على محاولات الفريق الآخر 14( آذار) تعطيل الزيارة ، وإثقالها بما لا تحتمل من دوافع ونتائج وارتدادات ، بل والنظر إليها كما لو كانت عدواناً إيرانياً سافراً على الأمن والسيادة اللبنانيين.

السجال حول زيارة نجاد لبيروت ، لم يبق في الأطر المحلية ، بل سبقته وصاحبته ، تدخّلات إقليمية ودولية ، إسرائيل رأت في الزيارة "تهديدا" لأمنها إذ تكرس "حلف الأشرار" ، وواشنطن حذرت من الضرر الذي قد يصيب أمن المنطقة واستقرارها جرائها ، أما صحف الاعتدال العربي ، فقد غمزت ولمزت نيابة عن عواصمها ، من الزيارة والزائر ، في حين حاول الرئيس الإيراني تبديد قلق الإقليم بسلسلة من الاتصالات الهاتفية الاستباقية التي أجراها مع بعض القادة العرب.

ومن أجل البرهنة على أن زيارة الرئيس الإيراني للبناني ، تختلف عن زيارات كثيرة قام بها قادة عرب وأجانب لهذا البلد المنكوب بانقسامات أبنائه وحروبهم وحروب الآخرين عليه ، ظهر الرئيس أحمدي نجاد في هيأة "بابا نويل" ، فهو أودع ما يقرب من نصف مليار دولار بتصرف اللبنانيين لتغطية عقود الطاقة والاتفاقات الثنائية التي ستبرم في حضوره أو على شرف زيارته ، وهو قدم وعوداً لدعم لبنان في شتى المجالات ، من النفط والطاقة والكهرباء حتى العتاد والسلاح للجيش اللبناني ، من دون أن ينسى إطلاق التأكيدات المتكررة بأن إيران تدعم لبنان وجميع اللبنانيين ، وليس طائفة بعينها أو فريق على حساب آخر.

في ظني ، أن زيارة الرئيس أحمدي نجاد للبنان لن تغيّر أو تبدّل في مواقف اللبنانيين ومشاعرهم واصطفافاتهم ، حتى ولو جاءهم بالكهرباء 24 ـ 24 كما يقال في لبنان عادة ، أو ملأ مستودعات جيشهم بالمدافع والدبابات والصواريخ ، ففي الوقت الذي يتطلع فيه اللبنانيون الشيعة إلى الزيارة من منظور روحي وعاطفي ومصلحي ، يوثّق روابطهم الخاصة مع "مركز الشيعة العالمي" ، فإن اللبنانيين السنة (غالبيتهم على الأقل) ، ينظرون للزيارة من زاوية "الانشطار المذهبي" الذي يطاول الإقليم وصولا إلى أفغانستان والباكستان ، أما الموارنة فإن مواقفهم من الزيارة سياسية بامتياز ، فمسيحو 14 آذار كارهون للزيارة والزائر أكثر مما يفعل أشد السلفيين عداوة للشيعة "الروافض" ، فيما مسيحو الثامن منه ، يرون فيها زيارة رئيس دولة صديقة وجارة ، يمكن للعلاقة معها أن تكون مفيدة للبنان.

والحقيقة أن تزامن زيارة نجاد لبيروت مع زيارة ثانية لا تقل أهمية ، يقوم بها نوري المالكي لدمشق ، تظهر تعاظم الدور الذي يضطلع به محور طهران - دمشق في المنطقة ، فالمالكي كان لا بد له من المرور بدمشق بعد طهران ، للحصول على الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة ، وزيارة نجاد لبيروت تريد البرهنة أن للمحور السوري الإيراني دوراً في لبنان لا يقل أهمية عن "معادلة س - س" التي أطلقها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في إشارة للعلاقة السورية - السعودية.

لا أحسب أن زيارة نجاد ستَجُبّ آثار التوافق السعودي - السوري في لبنان ، أو أنها ستمحو نتائج الزيارة المشتركة التي قام بها لبيروت كل من الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد ، لكنها بلا شك ، ستعزز نفوذ "المكون السوري" في هذه "معادلة س - س" ، لا سيما بعد دخول مصر بقوة على خط الأزمة اللبنانية ، منفردة حيناً ومن بوابة السعودية أحياناً ، في محاولة لإنقاذ ما أسمي بـ"ثورة الأرز" ، وفي مسعى مستميت لإبعاد الرياض عن دمشق ، حتى وإن كان الثمن ، استضافة سمير جعجع بما يمثل ومن يمثل ، في القصر الجمهوري في القاهرة.

إن زيارة المالكي لدمشق ، وزيارة نجاد لبيروت ، تؤكدان فشل المسعى السعودي لإبعاد سوريا عن إيران ، وتبرهنان على أن دمشق تريد جمع كل هذه الأطراف والعلاقات والمصالح المتشابكة في سلة واحدة ، تماماً كما ظلت تفعل على امتداد العقود الثلاثة الماضية ، وستجد الرياض نفسها مضطرة إما للتراجع خطوة أو خطوات للوراء في علاقاتها مع سوريا ، أو العودة لما كانت عليه سياستها في ثمانينييات وتسعينييات القرن الفائت ، عندما كانت تحتفظ بعلاقة طيبة مع دمشق ، من دون أن تكون علاقة الأخيرة بطهران سبباً في التأزم والقطيعة...حتى الآن لا يبدو أن الدبلوماسية السعودية قد حسمت وجهتها ، فهي تعطي إشارات متناقضة وفي اتجاهات مختلفة ، ويقال أن العلاقة مع سوريا وإيران ، واستتباعا الموقف من الملف اللبناني بمجمله ، قد تحوّل إلى مصدر خلاف بين الخارجية السعودية ووزيرها المخضرم الأمير سعود الفيصل من جهة والأمير الشاب عبد العزيز بن عبد الله الذي اضطلع مؤخراً بدور متزايد في تحسين العلاقة السعودية - السورية وإدارة الملف اللبناني نيابة عن والده خادم الحرمين ، من جهة ثانية ، ودائما على ذمة الصحافة الغربية. (الدستور)


 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات