النعيم!!

لم يستوقفني عدد من ماتوا في ذلك السجن ولا عدد من اعلنوا العصيان واضربوا عن الطعام.. فهذا يحدث في سجون العالم كله ، وليس حكرا على العالم الثالث خصوصا بعد ان دشنت امريكا المتحضرة البيضاء سجن غوانتينامو وما اعقبه في ابو غريب،
ما اثارني في هذا السجن هو اسمه ، فهو دار النعيم ، فان كان هو دار النعيم فكيف سيكون الجحيم اذن؟ ومن هو العبقري الذي يتجاوز دانتي في كوميدياه الالهية ليصف لنا هذا الجحيم؟؟
ما نخشاه ان يكون هذا العالم الثالث ومنه نحن العرب قد اهتدى الى لغة مضادة ، فما يقصده بالاصلاح مثلا هو مضاعفة الفساد وما يقصده بالتنمية هو الانيميا ، واخيرا ما يقصده بالحرية هو الرق والعبودية.. من سيصدق سجينا عنوان اقامته دار النعيم؟ فالناس قد يحسدونه ويحسدون زملاءه على هذا الفردوس وان كان الفارق بين نعيم ونعيم هو الفارق بين ادوات التعذيب والزجاجات المهمشة وبين عناقيد الفاكهة والماء العذب،،
واستطرادا لهذه التسمية المضللة قد يصبح المقصود بترقية موظف مثلا طرده من الوظيفة ، وبمنح مبدع ما جائزة دفعه من سطح ناطحة سحاب بحيث تنسحق عظامه،
الاستخفاف اللغوي هو احد تجليات الاستخفاف بالانسان والتعامل معه باعتباره مجرد شيء او سعلة وذات يوم قد يقيض للخطاب السائد في العالم الثالث من يفككه بحيث يصل الى العطب الهاجع في الجذور.
فليست صدفة ان تنتهي شعارات الديمقراطية الى مثولات من الطغيان وان ينتهي الوعد بالرفاهية الى فقر مدقع موزع بالعدل على عباد الله الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في الجحيم ثم طلب منهم أن يعترفوا بأنهم يقيمون في النعيم.
ان فلسفة الكذب لا بد ان تنتهي الى الحاق خلل بنيوي في اللغة ايضا اضافة الى النفوس والضمائر ، فمن يجرؤ على ان يكذب أمام ابنائه ويعدهم بما لا يستطع لن يصعب عليه ان يكذب أكثر على ابناء العم والجيران..
وهناك مفارقة تستحق الاستذكار في هذا السياق أشار اليها مثقف الماني غداة هدم السور الفاصل بين الألمانيتين.. قال ان نصف قرن من التباعد في اللغة والسياسة والايديولوجيا والثقافة قسم اللغة الالمانية الأم الى لغتين.. شرقية وغربية ، فما تعنيه كلمات مثل شرطي وحرية ومسؤولية وسعادة لدى من تربوا في المانيا الشرقية قد لا يفهمه الالماني الذي تربى وعاش في المانيا الغربية.
منذ الآن لا فارق بين السجين والطليق ما دام الجحيم يحمل اسم النعيم،، (الدستور)